للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسبب هذه المعضلة

اتساع اللغة، وتعدد مدلولات الكلمة

يَقفُ البَاحثُ مَعَ بعضِ مُصْطلحاتِ القومِ موقفَ المُتَردِّدِ في تَنْزيلها على أيِّ المَدلولاتِ، فإذا ما كانتِ الكلمةُ قد رَسَختْ في ذهنِهِ على مدلولٍ مُعيَّنٍ، سارعَ في تنزيلِها حسَبَ اصطلاحِهِ هُوَ في كلامِهِ، لا على اصطلاحِ المتكلِّمِ.

ولهَذَا، وَقعَ الغلطُ في الفهمِ والاستدلالِ في شتَّى الفنونِ بسببِ العُزُوفِ عن فَهْمِ مُصْطلحاتِ المُتكلِّمِ قبلَ البدءِ في تَفهُّمِهِ، والاستدلالِ بِهِ.

قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ -رحمه الله-:

« ... وكَذَلكَ الألفاظُ المشتركةُ والمنقولةُ والمُغيَّرةُ شرعًا، نقلًا وتغييرًا شَرعيِّينِ أو عُرْفيِّين، إنَّما يريدُ بها المتكلِّمُ -في الغالب- أحدَ المَعْنيينِ، مَعَ أنَّ المعانيَ الأُخرَ جائزةُ الإرادةِ، ولم ترد ... وهذا بَابٌ واسعٌ، فمَنْ تأمَّلَ كلَّ لفظٍ في كلامِ مُتكلِّمٍ، رأى أنَّهُ يجوزُ أن يُرَادَ بهِ منَ المعاني ما شاءَ اللهُ، والمُتكلِّمُ لم يُرِدْ إلَّا واحدًا من تلكَ المعاني ... » (١).

وقَالَ ابْنُ القَيِّمِ -رحمه الله-:

«والعِلْمُ بمُرادِ المتكلِّمِ يُعْرفُ تارةً من عُمُومِ لفظِهِ، وتارةً من عُمُومِ علَّته، والحَوالةُ على الأوَّلِ أوضحُ لأربابِ الألفاظِ، وعَلَى الثَّاني لأربابِ المعاني والفهمِ والتَّدبُّرِ ... وقَدْ يعرضُ لكلٍّ من الفَريقينِ ما يُخِلُّ بمعرفةِ مُرَادِ المتكلِّمِ، فيعرضُ لأربابِ الألفاظِ التَّقصيرُ بها عن عُمُومِها، وهَضْمُها تارةً، وتَحميلُها فوقَ ما أُريدَ بها تارةً، ويَعْرضُ لأربابِ المعاني فيها نظيرُ ما يعرضُ لأربابِ الألفاظِ، فهذِهِ أربعُ آفاتٍ هِيَ مَنْشأُ غَلَطِ الفَريقينِ ... » (٢).


(١) «تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل»، لشيخ الإسلام (٢/ ٤٧٤، ٤٧٥).
(٢) «إعلام الموقعين» (١/ ٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>