للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«الحمدُ للهِ الَّذي جَعلَ في كُلِّ زَمانِ فَتْرةٍ منَ الرُّسلِ بَقايَا من أهلِ العِلْمِ يَدْعونَ مَن ضلَّ إلى الهدى، ويَصْبرونَ منهم على الأذى، ويُحْيونَ بكتابِ الله تعالى المَوْتَى، ويُبصِّرونَ بنورِ الله أَهْلَ العَمَى، فَكَمْ من قتيلٍ لإبليسَ قد أَحْيَوه، وكَمْ من ضَالٍّ تَائهٍ قد هَدَوْه، فَمَا أحسنَ أثرَهم على النَّاس! وما أَقْبحَ أثرَ النَّاسِ عليهم! يَنْفونَ عن كتابِ الله تَحْريفَ الغالين، وانتحالَ المُبْطلين، وتَأْويلَ الجاهلينَ، الَّذينَ عقدوا أَلْويةَ البدعة، وأَطْلَقوا عِنَانَ الفتنة، فهم مُخْتلفونَ في الكتاب، مُخَالفونَ للكتابِ، مُجْمعونَ على مُفَارقةِ الكتابِ، يقولونَ على اللهِ، وفي اللهِ، وفي كتابِ اللهِ بغيرِ عِلْمٍ، يَتكلَّمونَ بالمُتَشابهِ منَ الكلامِ، ويَخْدعونَ جُهَّالَ النَّاسِ بما يُشبِّهونَ عليهم؛ فنَعُوذُ باللهِ من فِتْنةِ المُضلِّينَ» (١).

فَعِلْمُ الحديثِ الشَّريفِ لهُ فضلٌ عظيمٌ، ومَناقبُ أهلهِ الكرامِ أمرٌ يجلُّ عنِ العدِّ والحصرِ، وقَدْ صَنَّفَ فيهِ المُصنِّفون، ومَهرَ فيهِ المَاهرونَ، لكنَّهُ يبقى بحرًا لا ساحلَ له، ومِدَادًا لا ينتهي؛ إذ إنَّ عِلْمَ الحديثِ الشَّريفِ أشرفُ العلومِ، وأَفْضَلُها بعدَ كتابِ اللهِ، فهُوَ أصلُ التَّشريعِ الثَّاني، وركنُهُ الأغرُّ الحَاني.

فأَهلُ الحديثِ: «قَناديلُ اللهِ، ونورُ البلادِ، وخيرُ العبادِ، بل هُمُ النَّاسُ، وهُمُ الفِرْقةُ الناجيةُ، والعُلماءُ العاملونَ، وأهلُ الحكمةِ المَغْبوطونَ، وهمُ الفرسانُ الَّذينَ أعْلَى اللهُ ذِكْرَهم، وكتبَ لهمُ القبولَ، فلا يُحبُّهم إلَّا كلُّ مؤمنٍ، ولا يبغضهم إلَّا كلُّ مبتدعٍ منافقٍ» (٢).

فإذا تَبيَّنَ لكَ فضلُ القومِ وسَبْقهم، علمتَ ضرورةَ فَهْمِ كَلامِهِم؛ إذْ بهِ يتَّضحُ مرادُ أصحابِهِ، ويتميَّزُ الثَّابتُ مِنَ المَتْروكِ، والمَجْروحُ منَ المقبولِ.


(١) «إعلام الموقعين» (٢/ ١٠)، «طبقات الشافعية» (٣/ ٣٨٦)، «بغية الوعاة»، للسيوطي (١/ ٥٤٧).
(٢) من مقدمة بدر عبد الحميد إبراهيم لفضائل الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>