للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولَا فَرْقَ بينَ التَّحديثِ والإِخبارِ مِن حيثُ اللُّغةُ، وَفي ادِّعاءِ الفرقِ بَيْنَهما تَكلُّفٌ شديدٌ، لَكِنْ لمَّا تَقرَّر الاصْطِلَاحُ، صَارَ ذَلكَ حَقيقةً عُرفيَّةً، فتُقَدَّمُ على الحَقِيقَةِ اللُّغويَّةِ، مَعَ أَنَّ هَذَا الاصْطِلَاحَ إِنَّما شَاعَ عندَ المَشَارِقَةِ ومَنْ تَبِعَهُمْ، وأَمَّا غَالِبُ المَغارِبَةِ، فلَمْ يَسْتَعْمِلوا هَذَا الاصْطِلاحَ، بَل الإِخبارُ والتَّحديثُ عندَهُم بمعنًى وَاحِدٍ.

فَإِنْ جَمَعَ الرَّاوي -أَيْ: أَتى بصِيغَةِ الجَمْعِ في الصِّيغَةِ الأُولَى؛ كَأَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنا فُلَانٌ، أَوْ: سَمِعْنا فلانًا يَقُولُ- فَهُو دَليلٌ عَلَى أَنَّه سَمِعَ منهُ مَعَ غَيْرِهِ، وقد تَكُونُ النُّونُ للعَظَمةِ، لَكِنْ بقِلَّةٍ.

وأوَّلُها -أَيْ: صيغُ المَرَاتِبِ- أَصْرَحُها، أَيْ: أَصْرَحُ صِيَغِ الأَداءِ في سَماعِ قَائِلِها؛ لأنَّها لا تَحْتَمِلُ الواسِطَةَ، وَلأنَّ «حدَّثني» قَدْ يُطْلَقُ في الإِجَازةِ تَدْليسًا.

[قوله] (١): «وفي ادِّعَاءِ الفَرْقِ ... إلخ»:

مُلخَّص الفرق المُتكلَّف: أنَّ «حدَّثَ» أشدُّ إشعارًا بالنطق والمشافهة من الإخبار؛ إذ كثيرًا ما يكون فيها بالواسطة؛ فالإخبار أعمُّ من التَّحديث.

[قوله] (٢): «عِنْدَ المَشَارِقَةِ»:

يعني جمهورهم، كابن جُرَيجٍ، والأوْزاعيِّ، وابن وَهْبٍ، والشافعيِّ، ومُسْلِمٍ، والمراد بـ «مَنْ تَبِعَهُم»: من وافقهم على ذلك من المغاربة، بل عزا صاحب «الإنصاف» للنَّسائيِّ نفي الخلاف في الفَرْق المذكور.

[قوله] (٣): «وأمَّا غالبُ المَغَارِبَةِ»:

أي: ومعظم الحجازيين، كمالكٍ، والزُهريِّ، والقَطَّان، وأبي حنيفة، وأحمد


(١) زيادة من: (أ) و (ب).
(٢) زيادة من: (أ) و (ب).
(٣) زيادة من: (أ) و (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>