للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تُقْبَلُ التَّزكِيَةُ مِنْ عَارِفٍ بأَسْبَابِها، لَا مِنْ غيرِ عارِفٍ بأسبابها؛ لِئلَّا يُزكِّيَ بمُجرَّدِ ما يَظْهَرُ لهُ ابْتِداءً مِن غيرِ مُمَارسةٍ واخْتِبَارٍ.

ولَوْ كانتِ التَّزكيةُ صَادِرةً مِن مُزَكٍّ واحِدٍ عَلى الأصَحِّ؛ خلافًا لمَنْ شَرَطَ أَنَّها لا تُقْبَلُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ؛ إِلْحاقًا لَها بالشَّهادَةِ في الأصحِّ أَيضًا!

وَالفَرْقُ بَيْنَهُما أَنَّ التَّزْكيةَ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الحُكْمِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فيها العَددُ، وَتزكية الشَّهَادةُ تَقعُ مِنَ الشَّاهِدِ عندَ الحَاكِمِ، فَافْتَرقَا.

ولَوْ قيلَ: يُفَصَّلُ بَيْنَ مَا إِذا كانتِ التَّزكيةُ في الرَّاوي مُستَنِدَةً مِنَ المُزكِّي إِلى اجْتِهادِهِ، أَو إِلَى النَّقْلِ عنْ غَيْرِهِ؛ لَكانَ مُتَّجهًا؛ لأنَّه إِنْ كَانَ الأوَّلُ، فَلَا يُشْتَرَطُ العَددُ أَصلًا؛ لأنَّهُ حِينَئذٍ يكونُ بمَنْزلةِ الحاكِمِ.

وإِنْ كَانَ الثَانيَ، فيُجْرى فيهِ الخِلَافُ، ويَتَبَيَّنُ أَنَّه -أَيضًا- لا يُشْتَرَطُ العَددُ؛ لأنَّ أَصلَ النَّقْلِ لا يُشْتَرَطُ فيهِ العَددُ، فَكَذا ما تَفرَّعَ عَنهُ، واللهُ أَعْلَمُ.

وَكَذَا يَنْبَغي أَلَّا يُقْبَلَ الجَرْحُ والتَّعْديلُ إِلَّا مِن عَدْلٍ مُتَيَقِّظٍ، فَلَا يُقْبَلُ جَرْحُ مَنْ أَفْرَطَ فِيهِ مُجَرِّحٌ بمَا لا يَقْتَضي رَدَّ حَدِيثِ المُحَدِّثِ.

كَمَا لَا يُقْبَلُ تَزْكِيَةُ مَنْ أَخَذَ بمُجرَّدِ الظَّاهِرِ، فأَطلَقَ التَّزكيةَ.

وَقَالَ الذَّهبيُّ -وهُوَ مِن أَهْلِ الاستِقْرَاءِ التَّامِّ في نَقْدِ الرِّجالِ: «لَمْ يجْتَمِعِ اثْنَانِ مِن عُلَماءِ هذا الشَّأنِ قطُّ عَلَى تَوثيقِ ضَعِيفٍ، ولَا عَلَى تَضْعِيفِ ثِقَةٍ». اهـ.

ولهَذَا، كَانَ مَذْهَبُ النَّسائيِّ أَلَّا يُتْرَكَ حَديثُ الرَّجُلِ حتَّى يَجْتَمِعَ الجَميعُ على تَرْكِهِ.

ولْيَحْذَرِ المُتكلِّمُ في هَذَا الفَنِّ مِن التَّساهُلِ في الجَرْحِ والتَّعديلِ، فَإِنَّهُ إِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>