ومع الاضطراب في الفكر، والتشتت في الذهن، كانت تسنح لابن حزم أوقات يَدِقُّ فيها فهمه، ويجود نظره، فيقف فيها على حقيقة المشكل الغامض.
اسمع إليه يذكر فرحته بوقوفه على حل مسألة عويصة.
يقول: "واعلم أنك لا تورث العلم إلا من يُكسبك الحسنات وأنت ميت، والذكر الطيب وأنت رميم، ولا يذكرك إلا بكل جميل، ولا تورثه بعدك ولا تصحب في حياتك في طريقه إلا كل فاضل بَرِّ، ولست تصحب في طَلَب المال والجاه إلا أشباه الثعالب والذئاب، وأحدثك في ذلك بما نرجو أن ينتفع به قارئه إن شاء الله تعالى، وذلك أني كنت معتقلا في يد الملقب بالمُسْتكفي ... في مطبق، وكنت لا آمن قتله لأنه كان سلطانا جائرا ظالما عاديا قليل الدين، كثير الجهل، غير مأمون ولا مُتَثَبِّت.
وكان ذنبنا عنده صحبتنا للمستظهر ... وكنت مفكرا في مسألة عويصة من كليات الجُمَلِ التي تقع تحتها معان عظيمة كثر فيها الشغب قديما وحديثا في أحكام الديانة، وهي منصرفة الفروع في جميع أبواب الفقه، فطالت فكرتي فيها أياما وليالي إلى أن لَاحَ لي وجه البيان فيها، وصح لي، وَحَقَّ لي الحقُّ يقينا في حكمها وانبلج، وأنا في الحال التي وصفتُ.
فبالله الذي لا إله إلا هو الخالق الأول، مدبر الأمور كلها أقسم، الذي لا يجوز القسم بسواه، لقد كان سروري يومئذ وأنا في تلك الحال، بظفري بالحق فيما كنت مشغول البال به، وإشراق الصواب لي