للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأكرمه وأحسن مثواه.

ثم أُجلي عن ميورقة، وذهب إلى إشبيلية، فأُخرج عنها، وانتهى به المطاف إلى لبلة موطن أسرته ومنقطع أثرته، حيث لبث هناك بقية حياته.

وكان أثر هذه الرحلات شديدا على نفس ابن حزم، فاضطرب لها فكره، وتشتت لها همه، يقول واصفا ذلك: " ... فأنت تعلم (١) أن ذهني متقلب، وبالي مهصر بما نحن فيه من نبو الديار، والجلاء عن الأوطان، وتغير الأزمان، ونكبات السلطان، وتغير الإخوان، وفساد الأحوال، وتبدل الأيام، وذهاب الوفر، والخروج عن الطارف والتالد، واقتطاع مكاسب الآباء والأجداد، والغربة في البلاد، وذهاب المال والجاه، والفكر في صيانة الأهل والولد، واليأس عن الرجوع إلى موضع الأهل، ومدافعة الدهر، وانتظار الأقدار، لا جعلنا الله من الشاكين إلا إليه، وأعادنا إلى أفضل ما عودنا، وإن الذي أبقى لأكثر مما أخذ، والذي ترك أعظم من الذي تحيف، ومواهبه المحيطة بنا ونعمه التي غمرتنا لا تحد، ولا يُؤَدَّي شكرها، والكل منحه وعطاياه، ولا حكم لنا في أنفسنا ونحن منه، وإليه منقلبنا، وكل عارية فراجعة إلى معيرها وله الحمد أولا وآخرا وعودا وبدءا" (٢).


= العلماء والصالحين، ويؤثرهم، ويصلح الأمور جهده، وما رأينا من أهل الرياسة من يجري مجراه مع هيبة مفرطة، وتواضع وحلم عرف به مع القدرة" توفي بعد ٤٤٠ هـ.
انظر: جذوة المقتبس (ص ١٠٩).
(١) يخاطب ابن حزم ههنا صديقه الذي اقترح عليه أن يكتب "طوق الحمامة".
(٢) انظر: طوق الحمامة ضمن رسائل ابن حزم (ج ١/ ص ٣١٠).