للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من حيث أن داود غير أهل للنظر، بل لخرقه فيها إجماعا تقدمه، وعذره أنه لم يبلغه دليل واضح جدا وذلك كقوله في التغوط في الماء الراكد، وقوله لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها، وغير ذلك من مسائل وَجَّهت سهامَ الملامِ إليهم، وأفاضت سبيل الإزراء عليهم" (١).

ولقد أدى التزام ابن حزم باطِّراد قواعده، إلى الإنفراد بأقوال خالف فيها جميع المذاهب، كما أداه ذلك إلى التيسير في بعض الأحكام، والشدة والتضييق في بعضها (٢).

ومن المسائل الفقهية التي خالف فيها أهلُ الظاهر مَنْ سواهم، فكان ذلك شذوذا: قول ابن حزم: "ولعاب الكفار من الرجال والنساء الكتابيين وغيرهم نجس كله، وكذلك العرق منهم والدمع، وكل ما كان منهم" (٣)، ويستدل ابنُ حزم على ما ذهب إليه بقوله: "برهان ذلك قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} وبيقين يجب أن بعض النجس نجس، لأن الكل ليس هو شيئا غير أبعاضه" (٤).

فإن قيل: إن النجاسة التي في الآية - معنوية، أجاب ابن حزم: هبكم أن ذلك كذلك، أيجب من ذلك أن المشركين طاهرون؟ حاش لله من هذا، وما فهم قط من قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} مع


(١) طبقات الشافعية الكبرى (ج ١/ ص ٤٥ - ٤٦).
(٢) انظر: الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري للدكتور عبد المجيد محمود عبد الحميد (ص ٤٠٣).
(٣) المحلى (ج ١/ ص ١٢٩).
(٤) انظر: المصدر السابق.