للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس يمنع - عند المُنْصف - الشذوذُ والإغرابُ في فقه الظاهرية عامة، وفقه ابن حزم خاصة، من الاستفادة من هذا التراث العظيم الذي تركه رواده ومنتحلوه، ذلك لأن الحق وَسَطُ بينهم وبين جمهور أهل الفقه.

ولقد أحسن الإمام الشوكاني صنعا عندما قارن بين مذهب الجمهور ومذهب أهل الظاهر فقال عند ترجمة أبي حيان الأندلسي الذي كان يميل إلى الظاهر: "قال ابن حجر: "كان أبو حيان يقول: محال أن يرجع عن مذهب الظاهر مَنْ عَلِقَ بذهنه" (١)، - ولقد صدق في مقاله، فمذهب الظاهر هو أول الفكر، وآخر العمل عند من مُنح الإنصاف، ولم يرد على فطرته ما يغيرها عن أصلها، وليس هو مذهب داود الظاهري وأتباعه فقط بل هو مذهب أكابر العلماء المتقيدين بنصوص الشرع من عصر الصحابة إلى الآن، وداود واحد منهم، وإنما اشتهر عنه الجمود في مسائل وقف فيها على الظاهر حيث لا ينبغي الوقوف، وأهمل من أنواع القياس ما لا ينبغي لمنصف إهماله، وبالجملة: فمذهب الظاهر هو العمل بظاهر الكتاب والسنة بجميع الدلالات وطرح التعويل على محض الرأي الذي لا يرجع إليهما بوجه من وجوه الدلالة، وأنت إذا أمعنتَ النظر في مقالات


(١) الدرر الكامنة (ج ٤/ ص ١٨٧). وأبو حيان هو محمد بن يوسف بن علي بن حيان الغرناطي أثير الدين أبو حيان الأندلسي الجياني ولد سنة ٦٥٤ هـ وسمع الكثير بالأندلس وإفريقية ثم قدم إلى مصر، فقرأ بها القراءات على مشايخها، كان ثبتا عارفا باللغة والأدب والنحو، مفسرا، ألف "البحر المحيط" (ط) و"الأنور الأجلى في اختصار المحلى". وكان ظاهريا وانتمى إلى الشافعية توفي سنة ٧٤٥ هـ. انظر: الدرر الكامنة (ج ٤/ ص ١٨٥ - ١٨٩)، والبدر الطالع (ج ٢/ ص ٢٨٨ - ٢٩٠).