للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الأعلى، وبالأصغر على الأكبر، بل مثل هذا مما أمن فيه حفظ اللسان العربي، بَل العجمي والتركي، وجميع خطاب بني آدم، وهل إذا قال: "لا تنهر والديك" إلا والنهي عن شتمهما أو لعنهما، أو ضربهما حتى يستغيثا أو خنقهما حتى يموتا بطريق الأولى؟ ! . . ." (١).

وبالجملة: فإنه كلما ضاق المخرج على ابن حزم في شيء من الفقه، كان ذلك فرصة مناسبة لخصومه للنيل منه والتشنيع عليه، ولو أن ابن حزم نأى بنفسه عن الجمود على النص، وراعى المقاصد والمعاني لما جعل لغيره عليه سبيلا، ولنزل كلامه في النفوس منزلا رفيعا، وسبيل أهل الاجتهاد والنظر مراعاة الظاهر والمعنى الخفي، يقول ابن قيم الجوزية مبينا ذلك ببيان جلي: "ومثل مَنْ وقف مع الظواهر والألفاظ، ولم يراع المقاصد والمعاني إلا كمثل رجل قيل له: لا تسلم على صاحب بدعة، فقبل يده ورجله ولم يسلم عليه، أو قيل له: اذهب فاملأ هذه الجرة، فذهب فملأها ثم تركها على الحوض، وقال: لم تقل إيتني بها، وكمن قال لوكيله: بع هذه السلعة، فباعها بدرهم وهي تساوي مائة، ويلزم من وقف مع الظواهر أن يصحح هذا البيع، وَيُلْزَمُ به الموكل، وإن نظر إلى المقاصد تناقض حيث ألقاها في غير موضع" (٢).


(١) تعليق الذهبي بهامش ملخص إبطال القياس (ص ٢٩).
(٢) إعلام الموقعين (ج ٣/ ص ١٢٧).