للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدكم فليغسله)، فلو أمر غيره فغسله، إن قال داود لا يطهر لكونه ما غسله هو، خرق الإجماع، دمان قال يطهر، فقد نظر إلى المعنى، وناقض قوله والله أعلم" (١).

ومما شَنَّعَ العلماءُ به على ابن حزم - مما هو أشد إيغالا في الجمود على ظاهر النص - ما فهمه من قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} (٢)، فإنه قال: أما قول الله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}، فلو لم يُرد غير هذه اللفظة لما كان فيها تحريم ضربهما ولا قتلهما، ولما كان فيها إلا تحريم قول "أف" فقط. . . ولو كان النهي عن القول "أف" مغنيا عما سواه من وجوه الأذى لما كان لذكر الله تعالى في الآية نفسها - مع النهي عن قول "أف" - النهي عن النهر والأمر بالإحسان، وخفض الجناح والذل لهما معنى، فَلَمَّا لم يقتصر تعالى على ذكر الأف وحده، بطل قول من ادعى أن بذكر الأف عُلم ما عداه" (٣).

وَلَمَّا وقف الإمامُ الذَّهبي على هذا الموضع - من ملخص إبطال القياس - اعْتَرَضَ ابن حزم قائلا: "قلت: يا هذا، بهذا الجمود وأمثاله جعلت على عِرْضك سبيلا، ونصبت نفسك أعجوبة وضحكة، بل يقال لك: ما فهم أحد قط من عربي ولا نبطي ولا عاقل، ولا واع أن النهي عن قول "أف" للوالدين إلا وما فوقها أولى بالنهي منها، وهل يفهم ذو حس سليم إلا هذا؟ ! وهل هذا إلا من باب التنبيه بالأدنى


(١) المجموع (ج ١/ ص ١١٨ - ١١٩).
(٢) الآية من سورة الإسراء برقم ٢٣.
(٣) الإحكام في أصول الأحكام (ج ٨/ ص ٣٨٨) وملخص إبطال القياس (ص ٢٩).