فقال:"نقل أصحابنا عن داود بن علي الظاهري الأصبهاني رحمه الله مذهبا عجيبا فقالوا: انفرد داود بأن قال لو بال رَجُلٌ في ماء راكد لم يجز أن يتوضأ منه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يتوضأ منه)، وهو حديث صحيح، قال: ويجوز لغيره، لأنه ليس بنجس عنده، ولو بال في إناء ثم صَبَّهُ في ماء، أو بال في شط نهر، ثم جرى البول إلى النهر قال: يجوز أن يتوضأ هو منه، لأنه ما بال فيه بل في غيره قال، ولو تغوط في ماء جاز أن يتوضأ منه، لأنه تغوط ولم يبل".
ثم قال النووي: "وهذا مذهب عجيب، وفي غاية الفساد، فهو أشنع ما نُقل عنه - إن صح عنه رحمه الله - وفساده مُغْنٍ عن الاحتجاج عليه، ولهذا أعرض جماعة من أصحابنا المعتنين بذكر الخلاف عن الرد عليه بعد حكايتهم مذهبه، وقالوا: فساده مغن عن إفساده، وقد خرق الإجماع في قوله في الغائط، إذ لم يفرق أحد بينه وبين البول ثم فرقه بين البول في نفس الماء، والبول في إناء يُصب في الماء مِنْ أعجب الأشياء؟ ! ومن أخصر ما يرد به عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نبه بالبول على ما في معناه من تغوط وبول وغيره، كما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في الفأرة تموت في السَّمن:(إن كان جامدا فألقوها وما حولها)، وأجمعوا أن السنور كالفأرة في ذلك، وغير السَّمن من الدهن كالسمن (١)، وفي الصحيح: (إذا ولغ الكلب في إناء
(١) يمضي ابن حزم - على ظاهريته - في هذا فيقول: "ولا يجوز أن يحكم لغير الفأرة في غير السمن، ولا للفأر في غير السمن، ولا لغير الفأرة في السمن - بحكم الفأر في السمن، لأنه لا نص في غير الفأر في السمن". وانظر: المحلى (ج ١/ ص ١٤٢).