للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما وقف الذَّهبي على مقالة ابن العربي، قال: "قلت: لم يُنصف القاضي أبو بكر رحمه الله شيخ أبيه في العلم، ولا تكلم فيه بالقسط، وبالغ في الإستخفاف به، وأبو بكر فعلى عظمته في العلم، لا يبلغ رتبة أبي محمد، ولا يكاد، فرحمهما الله، وغفر لهما" (١).

وقال في موضع آخر - بعد أن حكى مقالة ابن حيان في ابن حزم -: "قلت هذا القائل منصف، فأين كلامه من كلام أبي بكر بن العربي، وهضمه لمعارف ابن حزم؟ ! " (٢).

ولقد علم ابن حزم أن أهل بلده غير تاركيه وما اختاره، وأنهم لا بد مخالفون له، ناقمون عليه، لشيء طُبعوا عليه من الزهد في العالم، والحسد له، وطمس محاسنه وفضائله، يقول في ذلك: . . . وأما جهتنا فالحكم في ذلك ما جرى به المثل السائر: "أزهد الناس في عالم أهله". . . ولا سيما أندلسنا، فإنها خُصت من حسد أهلها للعالم الظاهر فيهم، الماهر منهم، واستقلالهم كثير ما يأتي به، واستهجانهم حسناته، وتتبعهم سقطاته وعثراته، وكثر ذلك مدة حياته، بأضعاف ما في سائر البلاد، إنْ أجاد قالوا: سارق مغير، ومنتحل مدع، وإن


(١) سير أعلام النبلاء (ج ١٨/ ص ١٩٠).
(٢) تذكرة الحفاط (ج ٣/ ص ١١٥٢). ولقد وهم بعض الباحثين، فزعم أن ابن العربي رجع عن قوله في أبي محمد بن حزم، وانتحل القول بالظاهر، ولقد أتي هذا الباحث من اتفاق نسبة ابن العربي المعافري وابن عربي - بغير تعريف - الحاتمي، والحال أن الذي كان ظاهريا هو الثاني لا الأول وقد رأى ابن عربي لابن حزم منامات الله أعلم بحالها. وانظر: الفتوحات المكية (ج ١/ ص ٥١٩).