للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

توسط قالوا: غث بارد، وضعيف ساقط، وإن باكر الحيازة لقصب السبق قالوا: متى كان هذا؟ ومتى تَعَلَّم؟ وفي أي زمان قرأ؟ وَلِأُمِّه الهَبْلُ، وبعد ذلك إن ولجت به الأقدارُ أحد طريقين إما شفوفا بائنا يعليه على نظائره، أو سلوكا في غير السبيل التي عهدوها، فهنالك حمي الوطيس على البأس، وصار غرضا للأقوال، وهدفا للمطالب، ونصبا للتسبب إليه ونهبا للألسنة، وعرضة للتطرق إلى عرضه، وربما نحل ما لم يقل، وطوق ما لم يتقلد، وألحق به ما لم يَفُهْ به ولا اعتقده قلبه، وبالحرى وهو السابق المبرز إن لم يتعلق من السلطان بحظ، أن يسلم من المتالف، وينجو من المخالف، فإن تعرض لتأليف غُمز ولُمز وتُعرض وهُمز، واشتط عليه، وعُظم يسيرُ خطبه، واستشنع هين سقطه، وذهبت محاسنه، وسترت فضائله، وهُتف ونُودي بما أغفل فتنكس لذلك همته، وتكل نفسُه، وتبرد حميتُه. . ." (١).

وكان ابن حزم قليل المبالاة بكلام الناس فيه، مطرحا لشغبهم عليه غير آبه بمخالفتهم إن وافق الحق، وَوُفّق للصواب (٢)، ولكنه - مع ذلك - كان يبين لخصومه ما التبس عليهم من مخالفته لهم، إظهارا لسلامة نحلته، وصحة معتقده، فمن ذلك رده على من قال إن أهل


(١) رسالة في فضل الأندلس ضمن رسائل ابن حزم (ج ٢/ ص ١٧٨).
(٢) يرى ابن حزم أن اطراح كلام الناس، من علامات العاقل المستريح فيقول: "باب عظيم من أبواب العقل والراحة، وهو طرح المبالاة بكلام الناس، واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل. بل هذا العقل كله، والراحة كلها". وانظر: الأخلاق والسير (ص ١٧).