للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وابن حزم - وإن وقعت منه هنات - فهو يعرف للأئمة من أهل الاجتهاد فضلهم، وما لهم من السبق إلى فتح مقفلات، وتذليل عقبات ورفع مشكلات، اسمع إليه يقول: . . . والصحيح ن ذلك أن أبا حنيفة ومالكا - رحمهما الله - اجتهدا، وكانا ممن أمر بالاجتهاد، إذ كل مسلم ففرض عليه أن يجتهد في دينه، جريا على طريق السلف في ترك التقليد - فأجرا فيما أصابا فيه أجرين وأجرا فيما أخطآ فيه أجرا واحدا، وسلما من الوزر في ذلك على كل حال. . ." (١). فانظر كيف تلطف في الاعتراف لأبي حنيفة ومالك بمرتبة الاجتهاد، ثم انظر كيف اعتذر عنهما فيما أخطآ فيه. ومن هذا القبيل أيضا قوله: وأمَّا الورعُ فَهُوَ اجتنابُ الشُّبهات، ولقد كان أبو حنيفة وأحمد وداود مِنْ هذه المنزلة في الغاية القُصوى. . . واما مالك والشافعي، فكانا يأخذان من الأمراء، وورث عنهما، واستعملاه وأثريا منه، وهما في ذلك أصوب ممن ترك الأخذ منهم، وما يقدح هذا عندنا في ورعهما أصلا، ولقد كانوا رحمهم الله في غاية الورع" (٢).


= ما كان يحسن يا ابن حزم ذم من ... حاز العلوم، وفاق فضلا واشتهر
فأبو حنيفة فضله متواتر ... ونظيره في الفضل صاحبه زفر
إن لم تكن قد تبت من هذا ففي ... ظني بأنك لا تباعد عن سقر (كذا)
ليس القياس مع وجود أدلة ... للحكم من نص الكتاب أو الخبر
لكن مع عدم تقاس أدلة ... وبذلك قد وصى معاذا إذ أمر
انظر: خلاصة الأثر (ج ٢/ ص ٣٠٨).
(١) الإحكام في أصول الأحكام (ج ٢/ ص ١٢٠).
(٢) الرسالة الباهرة (ص ٤٠).