للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد أطلق لسانَ ابن حزم في الأئمة عكوفُ مقلديهم على أقوالهم (١)، ومغالاتهم في اعتقادهم، ونسبتهم كلَّ فضيلة إليهم وإنْ كان ذلك زورا وكذبا، يقول ابن حزم: "قال الله عز وجل: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} أوليت شعري أيشك هذا الجاهل، الذي سأل هذا السؤال في أن كل طائفة قلدت رجلا من هؤلاء المذكورين، فإنهم لولا أنه عندهم أفقه من سائرهم وأعلم وأفضل وأجل وَأَوْرَعُ لما قلدوه دينهم، فقد كان ينبغي لهم - لو عقلوا - أن يعرفوا أن غيرهم بصاحبهم كالذي يجدونه هم بصاحبهم ولا فرق، وكل فتاة بأبيها معجبة. . . وقد رويت عن كل طائفة في صاحبهم شُنَعٌ منها خفيف، ومنها فظيع. . ." (٢).

ثم يفصل ابن حزم القول في شُنَعِ ما روي في فضل أبي حنيفة


(١) يقول ابن حزم في وصف حال هؤلاء المقلدة: ". . . وأما أهل بلدنا، فليسوا ممن يعتني بطلب دليل على مسائلهم. . . فيعرضون كلام الله تعالى، وكلام الرسول على قول صاحبهم، وهو مخلوق مذنب يخطئ ويصيب" وانظر: الإحكام في أصول الأحكام (ج ٦/ ص ١١٧ - ١١٨).
وكان هؤلاء المقلدة يعكفون على المدونة أو المستخرجة، فيرجعون إليها فيما عرض لهم وهم لا يقدرون على عرض ما سئلوا عنه على الكتاب والسنة، ولو فعلوا لظهر عوارهم وضعفهم، ولضحك الناس من جهلهم بالحديث، وقلة بضاعتهم فيه، ولقد ذكر ابن حزم أن أحد شيوخ المالكية المقدمين كتب في كتاب له بخطه: "روينا بأسانيد صحاح إلى التوراة أن السماء والأرض بكتا على عمر بن عبد العزيز أربعين سنة" قال ابن حزم: "هذا نص لفظه، فلا أعجب من الشيخ المذكور في أن يروي عن التوراة شيئا من أخبار عمر بن عبد العزيز". انظر: الإحكام (ج ٥/ ص ١٦٣).
(٢) الرسالة الباهرة (ص ١٧)