للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣ - وصف أهل الحديث لأهل الرأي بأنهم أطرد الناس للقياس: وأقدرهم على فرض الفروض، وتفريع الفروع، وأجرؤهم على تقديم الرأي على الحديث والأثر، ولقد كان أكابر أهل الحديث ينبهون على ما عرف من ذلك عن أهل الرأي، يقول ابن قتيبة: "ولم أر أحدا ألهج بذكر أصحاب الرأي وتنقصهم، والبعث على قبيح أقاويلهم، والتنبيه عليها من إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه، وكان يقول: "نبذوا كتاب الله تعالى، وسنن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولزموا القياس" (١).

وكان بعض أهل الحديث ينهى الناس عن مجالسة أهل القياس، لما يخاف عليهم من الهجوم على أمر عظيم، وخطر جسيم، فقد أخرج الخطيب البغدادي بسنده عن أبي حمزة قال: سئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أدري، ولكن احفظ عني ثلاثا. . . ولا تجالس أصحاب القياس فَتُحِلَّ حراما أو تحرم حلالا" (٢).

وبالغ الشعبي في النكير على أهل الرأي والقياس حتى قال: "لقد بَغَّضَ إليَّ هؤلاء القوم هذا المسجد، حتى لَهُوَ أبغض إليَّ من كناسة


= تاريخ بغداد (ج ١٣/ ص ٤٤٤ فما بعدها). ولله در د. مصطفى السباعي، فلقد أباع في رد فرية قلة بضاعة أبي حنيفة من الحديث، فأحسن وأجاد وبلغ المراد وانظر تحقيق ذلك في السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي (ص ٤١١ - ٤١٧). ومن قبله تكلم في ذلك: الشيخ محمد زاهد الكوثري في "تأنيب الخطيب" فتعصب على الخطيب، وأقذع في العبارة، وشنع تشنيعا لا يليق بعالم، ولا يحسن بمنصف، ولذلك تعقبه في "التنكيل" الشيخ المعلمي.
(١) تأويل مختلف الحديث (ص ٥٣).
(٢) الفقيه والمتفقه (ج ١/ ص ١٨٤).