للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما أبو حنيفة - إمام أهل الرأي والقياس - فمعتمده في استنباط الأحكام على أصول بنى عليها أهل الحديث فقههم مع بعض الاختلاف اليسير، وقد نقل عنه أنه قال: "أخُذُ بكتاب الله فإن لم أجد فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسوله، أخذت بقول أصحابه من شئت منهم، وأدع قول من شئت، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فأما إذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين والحسن وعطاء وابن المسيب - وعد رجالا - فقوم اجتهدوا، فأجتهد كما اجتهدوا" (١).

واشترط أبو حنيفة في قبول خبَرِ الواحد، شروطا خالف بها أهلَ الحديث، كعدم مخالفة الخبر من قِبَلِ راويه، وأن لا يكون مما تعم به البلوى، وأن لا يخالف القياس، فإذا توفرت هذه الشروط، أخذ أبو حنيفة به، ولو كان ضعيف السند، وقدمه على القياس (٢).

وغاية ما خالف فيه أبو حنيفة جمهور المحدثين، الأخذ بالقياس،


= (ص ٧ - ١٤) والفقيه والمتفقه (ج ٢/ ص ٧١ - ٧٣).
(١) مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص ٣٤).
(٢) انظر: الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (ج ٢/ ص ٤٢٥). ولهذا قدم أبو حنيفة حديث القهقهة - وهو ضعيف - على القياس والرأي، وقدم حديث الوضوء بنبيذ التمر في السفر مع ضعفه على الرأي والقياس، وقدم الحديث المفيد أن أكثر الحيض عشرة أيام. وفيه ضعف، ومنع قطع السارق بسرقة أقل من عشرة دراهم، والحديث فيه ضعف. . . وانظر إعلام الموقعين (ج ١/ ص ٨١). وخالف أبو حنيفة جمهور أهل الحديث في العمل بالمرسل إذا كان الذي أرسله ثقة، وذلك حدا به إلى العمل بأحاديث هي عندهم ضعيفة لا معول عليها.