للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها ولا خوفا منا، أن يأتينا أحد بما يفسدها، ولكن ثقةً منا بأنه لا يأتي أحدٌ بما يعارضها أبدا، لأننا - ولله الحمد - أهل التخليص والبحث وقطع العمر في طلب تصحيح الحجة، واعتقاد الأدلة قبل اعتقاد مدلولاتها، حتى وقفنا - ولله الحمد - على ما ثلج به اليقين، وتركنا أهل الجهل والتقليد في ريبهم يترددون وكذلك نقول مجدين مقرين، إن وجدنا أهدى منه اتبعناه، وتركنا ما نحن عليه" (١).

وَلَمَّا لم يجد ابنُ حزم مَنْ هو أهدى منه سبيلا، وأحسن منه طريقا، أطلق لسانه في مخالفيه، فرماهم بأبشع وصف، وأفظ لفظ، وأقبح نعت.

ونال الحنفية - في الإعراب - من ذلك حظا عظيما، وقسطا كبيرا، فمن ذلك:

١ - القدح في إمام أهل الرأي والقياس أبي حنيفة رحمه الله: فهو عنده قليل الرواية، وأكثر معوله على القياس (٢)، ويبالغ ابن حزم في حكايته لهذه الدعوى، عندما يُشهد الله أن أبا حنيفة معذور في كثير خَطَلِهِ: يقول: "فتالله إن أبا حنيفة لمعذور في كثير من خطأ أقواله، لضيق باعه في رواية الآثار، وَقِصَرَ ذراعه في المعرفة بالسنن والأخبار. . ." (٣).


(١) الإحكام في أصول الأحكام (ج ١/ ص ٢٠).
(٢) كرر ابن حزم هذه الدعوى في غير موضع من كتبه: ففي الرسالة الباهرة (ص ٤١) قال: "والذي كان عند أبي حنيفة من السنن فهو معروف محدود، وهو قليل جدا، وإنما أكثر معوله على قياسه ورأيه واستحسانه. . .".
(٣) الإعراب عن الحيرة والإلتباس (ج ١/ ل ١٩٥).