للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولعل الذي هَيَّجَ ابنَ حزم للنقد اللاذع، ونَشَّطَهُ للاعتراض المقذع، ما وجد عليه الحنفية من إسراف في القياس، وتعصب لأبي حنيفة، ولقد أومأ رحمه الله إلى هذين السببين، وكأنه يعتذر مما كان منه، فقال: ". . . فاعجبوا لحماقة هؤلاء القوم في هذه القياسات السخيفة وتلاعبهم بالشرع، والتحريم والتحليل في الدين بمثل هذه الأقوال، ونحن لو أثبتنا الفروق التي يذكرونها لطال الديوان، واشتد النكير (١)، وامتد عنان التعقب، ومَنْ ذَا الذي يرى لهم ما أثبتوه، ولم يقل بعض ما قد قلناه، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى" (٢).

وقال أيضًا مشيرا إلى السبب الثاني: ". . . وفيهم طائفة لا ترى الخروج عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، والحسن بن زياد، وزفر، وكل هذا بدعة، هتكوا بها إجماع أهل الإسلام قاطبة. . ." (٣).

ثانيا: قد يكون في نسبة هذه الأقوال التي يحكيها ابن حزم عن الحنفية نظرٌ، فقد يكون فيها المدخول والمنسوب، وقد يكون فيها ما هو قولٌ لبعضهم لا لجميعهم، أو ما هو قول لمتأخريهم لم يعرفه متقدموهم، فإطلاق ابنِ حزم أَنَّ ذلك قول للحنفية جملةً محلُّ نظرٍ وتأملٍ.

ثالثا: قد لا يسلم اعتراض ابن حزم أحيانا على الحنفية لاختلافٍ في


(١) قلت: أفأبعد هذا النكير من نكير؟ ! ! .
(٢) الإعراب عن الحيرة والالتباس (ج ١/ ل ١٦١).
(٣) الإعراب عن الحيرة والالتباس (ج ١/ ل ١٧٢).