للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكن يطلعنني على غوامض أمورهن، وَلَوْلَا أن كون مُنَبِّهًا على عورات يُستعاذ بالله منها، لأوردتُ من تنبههن في الشَّرِّ، ومكرهن فيه عجائب تُذهل الألباب وإني لأعرف هذا وأتيقنه، ومع هذا - يعلم الله وكفى به عليما- أني بريء السَّاحة، سليم الأديم، صحيح البشرة نقي الحجزة، وإني أقسم بالله أجلَّ الأقسام أني ما حللت مئزري على فَرْج حرام قط، ولا يحاسبني ربي بكبيرة الزنا مُذْ عَقِلْتُ إلى يومي هذا والله المحمود على ذلك، والمشكور فيما مضى والمستعصم فيما بقي" (١).

٤ - ولقد أوتب ابن حزم -مع ما تقدم- اعتزازًا بالنفس، وترفعا بها، وَثَبتَتْ نفسه على ذلك في حال الرخاء والبأس، يقول منوها بهذه الصفة: "وَعَنِّي أخبركَ أني جُبلت على طبيعتين: ... وهما: وفاءٌ لا يشوبه تلوُّن ... وعزة نفس لا تقر على ضيم، مهتمة لأقل ما يرد عليها من تغير المعارف مؤثرة للموت عليه، فكل واحدة من هاتين السجيتين تدعو إلى نفسها ... وفي ذلك أقول قطعة منها:

لي خَلَّتان أذاقاني الأسى جُرعًا ... ونَغَّصَا عِيشتي، واستهلكا جَلَدي

كِلتاهما تُطيبني نحو جِبلتها ... كالصَّيْد ينشب بين الذئب والأسد

وَفَاءُ صِدْق فَمَا فَارقتُ ذَامِقَة ... فَزَالَ حُزني عَلَيْه آخِر الأَبَد

وعِزَّة لا يحِلُّ الضَّيْم سَاحتها ... صَرامَةً فيه بالأمْوال والولَد" (٢)


(١) انظر: طوق الحمامة ضمن رسائل ابن حزم (ج ١/ ص ٢٧٢).
(٢) انظر: طوق الحمامة (ج ١/ ص ٢٥٦).