للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طُبع عليها، فلا يهنأ له عيش بدونها يقول في ذلك: "وَعَنِّي أخبرك أني جُبلت على طبيعتين لا يهنأني معهما عيش أبدا، وإني لأبرم بحياتي، باجتماعهما، وأود التغيب من نفسي أحيانا لأفقد ما أنا بسببه من النكد من أجلهما وهما: وفاء لا يشوبه تلون قد استوت فيه الحضرة والمغيب، والباطن والظاهر، تولده الألفة التي لم تعزف بها نفسي عما دربته، ولا تتطلع إلى عدم من صحبته: ... وإني لَأُجْفى فاحتمل، وأستعمل الأناة الطويلة، والتلوُّم الذي لا يكاد يطيقه أحد، فإذا أفرط الأمر، وحميت نفسي تصبرت، وفي القلب ما فيه" (١).

وحكى ابن حزم في "طوق الحمامة"، أخبارا عمن تلوَّن من خلطائه، فتغيَّرَ أمره، وما كان مِنْ حاله مِنْ بقاء المودة، والمحافظة على العهد، والثبات على الخلة (٢).

٣ - رُزق ابن حزم من صحة الدين، وسلامة اليقين، وشدة الورع، حظا عظيما، صده عن مواقعة الإثم، ومقارفة المعصية، فلقد عاش في أول حياته عيشة تنعم ورفاهية، يحوطه الرزق الواسع، وتحفه مباهج الحياة، فما عُرفت له صبوة، ولا حُفظت له نبوة، وهو الذي نشأ في حجور النساء، وَكَتب في الصَّبابة كتابا، وصف فيه من أحوال الحب ومراتبه وعلله وأدوائه. يقول متحدثًا عن النِّساء: " ... فلم أزل باحثا عن أخبارهن، كاشفا عن أسرارهن، وكن قد أنسن مني بكتمان


(١) انظر: طوق الحمامة ضمن رسائل ابن حزم (ج ١/ ص ٢٥٦).
(٢) انظر: طوق الحمامة ضمن رسائل ابن حزم (ج ١/ ص ٢٠٧) و (ج ١/ ص ٢٥٦).