وفي هذا الحديث أبلغ رد على الفتان الذي فرق بين ربا الجاهلية وبين الربا الذي جاءت السنة بالنهي عنه والتشديد فيه ولعن آكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه، فحرم ربا الجاهلية وزعم أن تحريمه لا شك فيه وأباح ربا النسيئة عند الضرورة وربا الفضل عند الحاجة كما تقدم ذلك صريحا في نتيجة السوء (١) التي استنتجها بعقله الفاسد، وهذا من الإيمان ببعض الكتاب وعدم الإيمان ببعضه.
الوجه الخامس: أن يقال: إن الفتان لا يخلو من أحد أمرين؛ إما أن يكون له مفهوم في السنة المطهرة كما زعم ذلك في أول كلامه في هذه الجملة التي تقدم ذكرها، وإما أن يكون جاهلا بالسنة وتكون دعواه دراسة مفهوم الربا في السنة مبنية على التخرص، وعلى الأول يكون إعراضه عن الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن ربا الفضل ناشئا عن العناد والمكابرة في رد السنة الصريحة، وعلى الثاني يكون قد قفا ما ليس له به علم فأحلَّ بعض الربا وحرم بعض بمجرد رأيه واتجاهاته المضلة، وهذا حرام شديد التحريم؛ لأنه يتضمن الكذب على الله والقول عليه بغير علم وقد قال الله -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}، وقال -تعالى-: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.
الوجه السادس: أن يقال: إذا كان الفتان قد درس مفهوم الربا في السنة المطهرة كما قد زعم ذلك فأي حجة له على استحلال ربا الفضل للحاجة واستحلال ربا النسيئة للضرورة مع أنه ليس في السنة ما يدل على ذلك البتة.
وأي عذر له في رد الأحاديث المتواترة في النهي عن ربا الفضل بدون استثناء حاجة، وقد جاء في بعضها النهي عن ربا الفضل وربا النسيئة على وجه العموم، وليس فيها استثناء ضرورة ولا حاجة، وما كان تحريمه مطلقا بدون استثناء فليس لأحد أن يستثنى منه شيئا لم يستثنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ ......................................