للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مخالفة أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقلة المبالاة بما ثبت عنه من التشديد في الربا على وجه العموم، وما تواتر عنه من النهي عن ربا الفضل وربا النسيئة، وما ثبت عنه من النص على أن من زاد أو استزاد فقد أربى وأن الآخذ والمعطي فيه سواء.

الوجه الثالث: أن يقال: إنما ينظر إلى حدود القواعد العامة إذا كان الدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع غير موجود، وأما إذا كان الدليل موجودًا من هذه الأصول أو من أحدها فإنه لا ينظر إلى شيء سواه، وقد تظافرت الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على تحريم الربا تحريما مطلقًا يشمل جميع أنواع الربا وأجمع المسلمون على ذلك، وقد ذكرت ذلك في أول الكتاب فليراجع ففيه أبلغ رد على الفتان الذي قد تعامى عن الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع على تحريم الربا تحريمًا مطلقًا وأعرض عنها ولم يبال بها وحاول تحليل الربا في المصارف بما زعمه من النظر إليها ضمن حدود القواعد العامة للشريعة، ومراده بالقواعد العامة للشريعة أنه يجب النظر في المصارف على أساس مصالح الناس في معاشهم فإن كان معاشهم لا يتم إلا بها فهي جائزة دفعًا للحرج الواجب دفعه، وقد تقدم ذكر هذا التلبيس والرد عليه مستوفي في الفصل الذي قبل هذا الفصل فليراجع.

وأما قوله: وبالتالي عدم الحجر على العباد فيما لا بد لهم منه ولا تتم مصالحهم في معاشهم إلا به.

فجوابه من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: هذا الكلام ظاهر في الاعتراض على الله -تعالى- وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله -تعالى- هو الذي حرم الربا تحريمًا مطلقًا، وهو أعلم بمصالح العباد وما فيه منفعة لهم في معاشهم، ومع هذا فقد حجر على العباد أن يأكلوا الربا وشدد فيه غاية التشديد وتوعد عليه بأشد الوعيد وآذن من لم يتركه بالحرب منه ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد حرم الربا تحريمًا مطلقًا ولعن آكله ومؤكله وشاهديه وكاتبه، ونص على أنه من السبع الموبقات - أي المهلكات- ونص أيضا على أن أكل الدرهم من الربا أشد من ستة وثلاثين زنية، وأخبر أنه ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله، وفي هذا أوضح دليل على أن التعامل بالربا فساد محض وضرر على المجتمع والأفراد، وما كان بهذه الصفة فإنه يجب المنع منه والحجر على المتعاملين به؛ لأنه من الظلم وأكل الأموال بالباطل وقد قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ ..

<<  <   >  >>