وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في الموت:«الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم» فجعل يتكلم بها وما يفيض بها لسانه، رواه الإمام أحمد وابن ماجة، وفي رواية لأحمد: فجعل يتكلم بها وما يكاد يفيض بها لسانه، وروى الإمام أحمد أيضا عن أنس -رضي الله عنه- قال: كانت عامة وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حضره الموت:«الصلاة وما ملكت أيمانكم» حتى جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه.
فإن قال الفتان: إنه إنما أراد الخطبة وأن آخر مرة من خطبه - صلى الله عليه وسلم - هي التي قال فيها:«ألا وإن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب».
فالجواب من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: إن كان مراده الخطبة وأنه أبدل لفظة الخطبة بالمخاطبة فلا يخفي ما في كلامه من الخطأ في التعبير؛ لأن الخطبة شيء والمخاطبة شيء آخر، قال ابن منظور في (لسان العرب): "ذهب أبو إسحاق إلى أن الخطبة عند العرب الكلام المنثور المسجع ونحوه"، وذكر عن صاحب (التهذيب) أنه قال: "الخطبة مثل الرسالة التي لها أول وآخر"، وكذا قال الزجاج:"إن الخطبة بالضم ما له أول وآخر نحو الرسالة"، نقله النووي عنه في (تهذيب الأسماء واللغات).
وأما المخاطبة فهي المراجعة في الكلام، قال صاحب (المحكم): "الخطاب والمخاطبة مراجعة الكلام"، نقله النووي عنه في (تهذيب الأسماء واللغات) وكذا قال ابن منظور في (لسان العرب): "إن الخطاب والمخاطبة مراجعة الكلام، قال وقد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطابا وهما يتخاطبان". انتهى.
الوجه الثاني: أن يقال: إن خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم عرفة وهي التي قال فيها:«ألا وإن ربا الجاهلية موضوع» ليست آخر خطبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بل إنه قد خطب الناس في يوم النحر بمنى، ثم خطبهم في أوسط أيام التشريق، ثم خطبهم بين مكة والمدينة بماء يدعي خُمّا، ثم لم يزل يخطبهم في أيام الجُمع إلى أن مرض مرضه الذي مات فيه، وآخر خطبة خطبها كانت في مرض موته - صلى الله عليه وسلم - وقد جاء ذلك في عدة أحاديث، منها حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:"خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر ... " فذكر الحديث في ....................................