للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو حيان في الكلام على قول الله -تعالى-: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}: "في ذلك رد عليهم إذ ساووا بينهما، والحكم في الأشياء إنما هو إلى الله -تعالى-، لا يعارض في حكمه ولا يخالف في أمره، وفي هذه الآية دلالة على أن القياس في مقابلة النص لا يصح، إذ جعل -تعالى- الدليل في إبطال قولهم هو أن الله أحل البيع وحرم الربا، وقال بعض العلماء قياسهم فاسد؛ لأن البيع عوض ومعوض لا غبن فيه، والربا فيه التغابن وأكل المال بالباطل؛ لأن الزيادة لا مقابل لها من جنسها بخلاف البيع فإن الثمن مقابل بالمثمن". انتهى.

السادسة: النص على تحريم الربا، وفي النص على تحريمه أبلغ رد على الفتان وعلى أمثاله من الذين يزعمون حل المعاملات الربوية في البنوك.

السابعة: العفو عما سلف من أخذ الربا قبل نزول الآية بتحريمه، قال ابن كثير في الكلام على قول الله -تعالى-: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}: "أي من بلغه نهي الله عن الربا فانتهى حال وصول الشرع، إليه ما سلف من المعاملة، ثم ذكر عن سعيد بن جبير والسدي أنهما قالا (فله ما سلف) ما كان أكل من الربا قبل التحريم". انتهى، وقال أبو حيان في تفسيره الظاهر: "أن الآية في الكفار لقوله {فَلَهُ مَا سَلَفَ}؛ لأن المؤمن العاصي بالربا ليس له ما سلف، بل ينقض ويرد فعله وإن كان جاهلاً بالتحريم، لكنه يأخذ بطرف من وعيد هذه الآية". انتهى.

الثامنة: الوعيد بالنار لمن عاد إلى استحلال الربا بعد تحريمه، قال ابن عطية في تفسيره: "قوله -تعالى-: {وَمَنْ عَادَ} يعني إلى فعل الربا والقول إنما البيع مثل الربا، وإن قدرنا الآية في كافر فالخلود خلود تأبيد حقيقي، وإن لحظناها في مسلم عاصٍ فهذا خلود مستعار على معنى المبالغة كما تقول العرب: (ملك خالد) عبارة عن دوامٍ مَّا، لا على التأبيد الحقيقي". انتهى، وقال القرطبي في الكلام على قوله -تعالى-: {وَمَنْ عَادَ}: "يعني إلى فعل الربا حتى يموت قاله سفيان، وقال غيره: من عاد فقال إنما البيع مثل الربا فقد كفر ... " ثم ذكر كلام ابن عطية، وقال النسفي في تفسيره: " {وَمَنْ عَادَ} إلى استحلال الربا {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}؛ لأنهم بالاستحلال صاروا كافرين؛ لأن من أحل ما حرم الله - عز وجل- فهو كافر؛ فلذا استحق الخلود، وبهذا تبين أنه لا تعلق للمعتزلة بهذه الآية في تخليد الفساد". انتهى، وقال ابن جزي في تفسيره: " {وَمَنْ عَادَ} الآية؛ يعني من عاد إلى فعل الربا وإلى القول {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} ولذلك حكم عليه بالخلود في النار؛ لأن ذلك القول لا يصدر إلا من كافر فلا حجة فيها لمن

<<  <   >  >>