الوجه الخامس: أن يقال: إن كلام رشيد رضا مبني على أمرين خطيرين؛ أحدهما تأويل الآية بالرأي وتجريدها مما ذكر فيها من الوعيد للمرابين إذا بعثوا يوم القيامة بالجنون أو بما يشبه الجنون. وذلك أنه ذكر عن الذين فتنهم المال واستعبدهم أن نفوسهم تخرج عن الاعتدال الذي عليه أكثر الناس وأن ذلك يظهر في حركاتهم، وأنه إذا كان ما شنَّع به على المرابين من خرج حركاتهم عن النظام المألوف وأثر اضطراب نفوسهم وتغير أخلاقهم كان لابد أن يبعثوا عليه فإن المرء يبعث على ما مات عليه لأنه يموت على ما عاش عليه. هذا كلامه، وهو ظاهر في نفي الوعيد عن المرابين إذا بعثوا يوم القيامة بالجنون أو بما يشبه الجنون وأنهم إنما يبعثون على ما عاشوا عليه من خروج حركاتهم عن النظام المألوف وأثر اضطراب نفوسهم وتغير أخلاقهم، وحاصل كلامه أن المرابين يكونون بعد البعث على الحال التي كانوا عليها في الدنيا. وهذا من تحكيم الرأي في معنى الآية وإنكار ما جاء فيها من الوعيد للمرابين. وما أشد الخطر في هذا. وقد قال الإمام الحافظ عبد الرحمن بن مندة:"التأويل عند أصحاب الحديث نوع من التكذيب".
الأمر الثاني مخالفة إجماع المفسرين على أن المعنى لا يقومون من قبورهم في البعث إلا كالمجنون، وقد تقدم ذكر هذا الإجماع في كلام ابن جزي وابن عطية. ومخالفة الإجماع ليس بالأمر الهين. وإنه لينطبق على رشيد رضا ما ذكره محمود شلتوت في كلامه الذي تقدم ذكره قريبا عن بعض الباحثين المولعين بتصحيح التصرفات الحديثة أنهم إنما يفعلون ذلك ليعرفوا بالتجديد وعمق التفكير.
وقال الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي في كتابه المسمى بـ (المسائل الكافية): "إن الذي تخرجوا على الشيخ جمال الدين الأفغاني والذين تخرجوا عمن تخرج عنه يفسرون القرآن برأيهم وينكرون بعض ما ثبت في الشرع ويعتمدون على أقوال الكفار، ويهجرون قول الله وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقول الراسخين في العلم من المسلمين. وعندهم كلام الله -تعالى- ككلام البشر يتصرفون فيه بغير علم فيحق عليهم الوعيد الوارد في حديث سيد البشر - صلى الله عليه وسلم - وهو:«من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» رواه الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- حديث صحيح، وروى الترمذي وغيره:«من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» حديث حسن".
وقال الشيخ محمد بن يوسف أيضا في كتابه المذكور:"إن الشيخ محمد عبده وأتباعه تكلموا في تفسير كلام الله على الأسلوب الجديد المخترع المؤيد بالتخمين العقلي وبالآلات الكشافة". انتهى.