وأبو داود وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«حبك الشيء يعمي ويصم» وهذا الحديث مطابق لحال الفتان غاية المطابقة.
الوجه الرابع: أن يقال: قد تقدم كلام الزجاج في بيان الربا الحرام، وتقدم كلام الجصاص في بيان ربا العرب - أي زمن الجاهلية - فليراجع (١) كلامهما فإنه مطابق للمعاملات الربوية في البنوك، وفيه رد على الفتان.
فصل
وقال الفتان:"في المعاملات المصرفية الدائن هو دائما من المالكين لرأس المال غير أنه يملك سيولة صغيرة أي وفرا قليلاً لا يستطيع استثماره، أما المدين فهو دائمًا من كبار المالكين لرأس المال غير أنه لا يملك أية سيولة لتسيير أعماله الكبرى، وهكذا يتضح لنا هنا أن الذي يحتاج للآخرين في المعاملات المصرفية هم دائمًا الأغنياء الكبار الذين يمدون أيديهم لوفر المالكين الصغار دون العكس، وبالنتيجة فإن هؤلاء الأغنياء الكبار لا تحل لهم صدقة المالكين الصغار فيما لو طلبنا إلى هؤلاء أن يتوبوا وأن يتصدقوا برؤوس أموالهم على المدينين الأغنياء عملا بقوله:{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} وهذا هو أول ما يميز أعمال المصارف عن الربا المحرم في القرآن الكريم حيث أن المدين محتاج إلى الصدقة بعكس المدين في المعاملات المصرفية".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن الفتان قد لفق هذه الشبه ليلبس بها على الجهال ويوقعهم في أكل الربا ومعصية الله -تعالى- ومعصية رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبال بما يترتب على أقواله الباطلة من مخالفة الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على تحريم الربا تحريما مطلقًا شاملاً لجميع أنواع الربا، ولا بما يترتب على أقواله أيضا من حمله من أوزار الذين يَضلون بسببه وأنه يكون عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا.
الوجه الثاني: أن يقال: إنه ليس من شروط تحريم الربا أن يكون واقعا بين غني وفقير ولا أن يكون المدين ممن تحل له الصدقة، وإنما هذا من تشريع الفتان وتلبيسه .............