ومن الأمثلة على وجود القوة الإسلامية مع عدم وجود القوة الاقتصادية ما هو معروف في زماننا عن المجاهدين الأفغان، فإنهم ليست لهم قوة اقتصادية، بل هم في غاية الحاجة وقلة العدد والعدة بالنسبة إلى أعدائهم، ومع هذا فقد كانت لهم قوة إسلامية مرهوبة عند أعدائهم، وقد نصرهم الله -تعالى- في كثير من المعارك الدائرة بينهم وبين الدولة الشيوعية التي هي من أكبر الدول في العالم وأعظمها قوة اقتصادية، وفي هذا عبرة لمن اعتبر، وقد قال الله -تعالى-: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، وقال -تعالى-: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
ومما ذكرته من وجود القوة الإسلامية في أول هذه الأمة وفي آخرها مع عدم وجود القوة الاقتصادية عندهم يعلم أن لا تلازم بين القوة الإسلامية والقوة الاقتصادية. وفي هذا أبلغ رد على ما توهمه الفتان في مقدماته الثلاث التي بني بعضها على بعض بمجرد ما تخيله بعقله الفاسد.
وأما المقدمة الثانية وهي قوله: لن تكون هناك قوة اقتصادية بدون بنوك، فهي مقدمة باطلة. ويدل على بطلانها ما كان عليه المسلمون منذ فتحت خزائن الملوك في زمان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وبعد زمانه فقد كانت لهم قوة اقتصادية عظيمة، وهم مع هذا لا يعرفون البنوك ولا التعامل بالربا فضلا عن استحلاله، وكذلك كان الأمر في زمان بني أمية وبني العباس وغيرهم من الدول الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، فقد كان عند كثير منهم من الأموال والقوة الاقتصادية ما يعرفه من تتبع السير والأخبار وهم مع هذا لا يعرفون البنوك ولا التعامل بالربا.
وأما المقدمة الثالثة وهي قوله: لن تكون هناك بنوك بلا فوائد. فهي مقدمة باطلة، وبيان ذلك من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن الزيادة على رؤوس الأموال وهي التي
يدفعها أهل البنوك لأهل الأموال مقابل ما يمنحوهم من الانتفاع بأموالهم ليست بفوائد على الحقيقة، وإنما هي عين الربا الذي حرمه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأجمع المسلمون
على تحريمه، وهي شبيهة بربا أهل الجاهلية؛ لأن أرباب الأموال إذا تركوا رؤوس
أموالهم عند أهل البنوك أرباها أهل البنوك لهم في كل عام بنسبة معلومة في كل مائة،
وهذه النسبة تضاف إلى رؤوس الأموال، وربما اجتمع منها شيء كثير لأهل الأموال
ولا سيما إذا تركوا أموالهم في البنوك أعواما كثيرة. وهذا الفعل مطابق لما يفعله الأغنياء في