وأما حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«لا ربا إلا في النسيئة» فهو حديث صحيح قد اتفق البخاري ومسلم على إخراجه، وقد قال النووي في (شرح مسلم): "أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره، قال: وهذا يدل على نسخه، وتأوله آخرون"، وذكر السبكي في (تكمله شرح المهذب) عن ابن عبد البر أنه استدل على صحة تأويل حديث أسامة بإجماع الناس - ما عدا ابن عباس - عليه - أي علي تأويله-. انتهى.
ومن أحسن التأويلات التي ذكرها النووي أنه محمول على الأجناس المختلفة، فإنه لا ربا فيها من حيث التفاضل بل يجوز تفاضلها يدا بيد، وذكر الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) عن الطبري أنه قال: "معنى حديث أسامة «لا ربا إلا في النسيئة» إذا اختلفت أنواع البيع، والفضل فيه يدا بيد ربا، جمعا بينه وبين حديث أبي سعيد، ثم قال بن حجر:(تنبيه) وقع في نسخه الصغاني هنا: قال أبو عبد الله يعني البخاري: سمعت سليمان بن حرب يقول: «لا ربا إلا في النسيئة» هذا عندنا في الذهب بالورق والحنطة بالشعير متفاضلا ولا بأس به يدا بيد ولا خير فيه نسيئة". انتهى.
وقال ابن حبان في صحيحة:"معنى الخبر أن الأشياء إذا بيعت بجنسها من الستة المذكورة في الخبر وبينهما فضل يكون ربا، وإذا بيعت بغير أجناسها وبينها فضل كان ذلك جائزا إذا كان يدا بيد، وإذا كان ذلك نسيئة كان ربا". انتهى.
وروى البيهقي في سننه عن أبي المنهال - واسمه عبد الرحمن بن مطعم البناني - قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا: "كنا تاجرين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصرف فقال:«ما كان منه يدا بيد فلا بأس وما كان منه نسيئة فلا» " وهذا الحديث قد تقدم ذكره وهو الحديث الحادي والعشرون والحديث الثاني والعشرون، وقد ذكرت له عدة روايات عند البخاري ومسلم فليراجع، ثم قال البيهقي بعد إيراده وذكر من خرجه من الأئمة أن الخبر يكون واردا في بيع الجنسين أحدهما بالآخر، فقال:«ما كان منه يدا بيد فلا بأس، وما كان منه نسيئة فلا» وهو المراد بحديث أسامة، والله أعلم. قال: والذي يدل على ذلك أيضا ما أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ... ثم ساق بإسناده إلى أبي المنهال قال: سألت