يجب النظر في المصارف على أساس مصالح الناس في معاشهم فإن كان معاشهم لا يتم إلا بها فهي جائزة من غير ريب دفعا للحرج الواجب دفعه عملاً بنص القرآن.
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: ليس الأمر على ما زعمه الفتان من وجوب النظر في المصارف على أساس مصالح الناس في معاشهم، وإنما يجب النظر فيها على ضوء الكتاب والسنة والإجماع، فما كان فيها من الأعمال التي لا تخالف الكتاب والسنة والإجماع فهو جائز، وما كان فيها من الأعمال المخالفة للكتاب أو السنة أو الإجماع فإنه يجب المنع منه، ومن ذلك التعامل بالربا على أي وجه كان؛ لأن التعامل به مخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وما كان بهذه الصفة فإنه يجب المنع منه في المصارف وغير المصارف، ويجب أيضا أن يعاقب الذين يتعاملون بالربا عقوبة موجعة في أنفسهم وأموالهم عملاً بما ثبت عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في ذلك، فقد روى الطحاوي في (شرح معاني الآثار) بإسناد صحيح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال:"خطب عمر -رضي الله عنه- فقال: "لا يشتري أحدكم دينارًا بدينارين ولا درهما بدرهمين ولا قفيزا بقفيزين إني أخشى عليكم الرماء (١) وإني لا أوتى بأحد فعله إلا أوجعته عقوبة في نفسه وماله" قال الطحاوي: فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يخطب بهذا على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحضرة أصحابه -رضوان الله عليهم- لا ينكره عليه منهم منكر فدل ذلك على موافقتهم له عليه". انتهى، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء بعمر -رضي الله عنه- كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والبخاري في التاريخ والحاكم في مستدركه عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قال:«اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» قال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وصححه الحاكم والذهبي.
الوجه الثاني: أن يقال: إن مصالح الناس في معاشهم ليس متوقفة على التعامل مع أهل المصارف بالمعاملات الربوية؛ لأن الله -تعالى- قد حرم الربا تحريمًا مطلقًا ومنع منه منعًا باتًا لما فيه الظلم وأكل الأموال بالباطل، وكثير من المسلمين بل أكثرهم لا يتعاملون مع أهل المصارف بالمعاملات الربوية، ومع هذا فإن مصالحهم في معاشهم كانت متيسرة لكل منهم على حسب ما قسم الله لهم من الرزق، وقد عاش المسلمون أكثر من ثلاثة عشر قرنًا وهم لا يعرفون المصارف، ومع هذا فإن مصالحهم في معاشهم ...............................
(١) الرماء هو الربا وقد تقدم تفسيره في صحفه ٩١ فليراجع.