للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول في تحريمه ونصَّ على أن من زاد أو استزاد فقد أربى وأن الآخذ والمعطي فيه سواء، وقال لمن باع صاعين من التمر الرديء بصاع من التمر الطيب: «أوه أوه عين الربا عين الربا لا تفعل» وفي رواية أنه قال: «أوه عين الربا لا تقربه» وفي رواية أنه قال: «هذا الربا فردوه» ففي هذه الروايات الثابتة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلَّظ القول في ربا الفضل وجعله مُحرَّما لذاته وأنكر على من باع به وأمره برد البيع.

وإذا علم هذا فهل يستجيز الفتان أن يطلق الصفة السيئة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل ما جاء عنه من التغليظ في ربا الفضل والإنكار على من باع به؟! أم ماذا يجيب به عن التهور الذي لو صدر من عالم بما يلزم على كلامه وما يترتب عليه لكان يحكم عليه بالردة وتجرى عليه أحكام المرتدين؟! وإنه لينطبق على الفتان قول الشاعر:

لقد كان في الإعراض ستر جهالة ... غدوت بها من أشهر الناس في البُلْدِ

الوجه الثالث: أن يقال: قد تواترت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريم ربا الفضل، وقد ذكرت منها قريبا من ثلاثين حديثا فلتراجع (١). وقد جاء في بضعها النهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد، وفيها النص على أن من زاد أو استزاد فقد أربى وأن الآخذ والمعطي فيه سواء، وفي صحيح مسلم أن رجلا باع صاعين من تمر رديء بصاع من تمر طيب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هذا الربا فرده» وفي الصحيحين وغيرهما أن بلالا باع صاعين من تمر رديء بصاع من تمر طيب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أوه أوه عين الربا عين الربا لا تفعل» وفي رواية أنه قال: «أوه عين الربا لا تقربه» وفي رواية أنه قال: «إن هذا لا يصلح» ففي هذا النصوص أوضح دليل على أن ربا الفضل في الأصناف الستة محرم لذاته وأنه من الربا الجلي القطعي وليس من الربا الخفي، قال النووي في (شرح مسلم): "معنى عين الربا أنه حقيقة الربا المحرم". انتهى، وفي هذه النصوص أيضا أبلغ رد على من قال إن ربا الفضل غير قطعي وإنه من الربا الخفي وإنه لم يحرم لذاته وإنما حرم سدا للذريعة إلى ربا النسيئة.

الوجه الرابع: أن يقال: إن الفتان قد تقول على ابن رشد حيث زعم أنه كان من الذين حاولوا أن يكسروا من حدة التطرف والتشدد في الربا، وقد نقل جملة من كلامه في (بداية المجتهد) وهو ما زعم أنه يكسر من حدة التطرف والتشدد في الربا وأعرض ........


(١) ص ٢٩ - ٣٩.

<<  <   >  >>