في قول الله -تعالى-: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} قال: "هذا تهديد للمؤمنين لئلا يستحلوا الربا"، وقال الزجاج:"والمعنى اتقوا أن تحلوا ما حرم الله فتكفروا"، وروى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان أنه قال:"من أكل الربا فلم ينته فله النار". وقوله:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} قال القرطبي: " (وَأَطِيعُوا اللَّهَ) في تحريم الربا (وَالرَّسُولَ) فيما بلغكم من التحريم".
الثامنة عشرة: أن أكل الربا والتعامل به من الكبائر الموبقات، أي المهلكات، ويدل على ذلك ما جاء في القرآن من تعظيم أكل الربا والوعيد عليه بالنار وإيذان أهله بحرب من الله ورسوله، قال القرطبي:"دلت الآية - يعني قوله -تعالى-: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} - على أن أكل الربا والعمل به من الكبائر ولا خلاف في ذلك". وقال الماوردي في الكلام على قول الله -تعالى-: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}: "دل أن الربا من الكبائر التي يستحق عليها الوعيد بالنار". انتهى، وسيأتي في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عدَّ أكل الربا من السبع الموبقات.
وفيما ذكرته من الآيات وأقوال المفسرين كفاية في بيان موقف القرآن الكريم من تحريم الربا على وجه العموم وأنه لا فرق في ذلك بين البنوك وغيرها.
وفيه أيضا أبلغ رد على الفتان المحارب لله ورسوله وعلى غيره من المبطلين الذين يزعمون حِل الربا في المعاملات مع أهل البنوك ويتعلقون بالشبه والأباطيل في استحلاله ولا يبالون بما يترتب على ذلك من معصية الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - واتِّباع غير سبيل المؤمنين.
فصل
وأما الأدلة من السنة على تحريم المعاملات الربوية على وجه العموم فكثيرة جدا:
الأول منها: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«اجتنبوا السبع الموبقات» قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال:«الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
قال ابن الأثير:"الموبقات جمع موبقة، وهي الخصلة المهلكة".