فعلوه عين الربا وأمرهم برده، فدل ذلك على أنه لا تأثير لوجود الظلم والقسوة على المحتاج في تحريم الربا ولا تأثير لعدمهما، وإنما العلة وجود التفاضل في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة وسائر الأعيان الستة المنصوص عليها في حديثي أبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت -رضي الله عنهما-، فإذا وجد التفاضل في بيع الجنس منها بجنسه فقد وجد الربا ولو لم يكن هناك ظلم ولا قسوة.
ومما يدل علي أنه لا تأثير للظلم والقسوة في تحريم الربا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء» فقد وصف الزائد والمستزيد بالإرباء ونص على أن الآخذ والمعطي سواء في الإرباء، ومن المعلوم أن الظلم والقسوة إذا وجد فإنما يكونان في جانب الآخذ وحده، ومع هذا فقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كلا من الآخذ والمعطي سواء في الإرباء، فدل هذا على أنه لا تأثير لوجود الظلم والقسوة في تحريم الربا ولا لعدم وجودهما.
فصل
وقال الفتان:"إن المصارف هي مؤسسات تجارية حديثة لم تكن معروفة في عهد نزول أحكام الربا في الشريعة الإسلامية، ولذلك تخضع لأحكام الشريعة على طريق القياس، فإذا كان الشبه كاملاً من غير أي فارق بينهما وبين ما قد حرمته الشريعة من الربا القطعي فهي محرمة أيضا قطعًا، أما إذا اختلفت المصارف عن الربا القطعي ولو في بعض الوجوه فليست محرمة تحريما قطعيًا، وإنما يجب النظر فيها على أساس مصالح الناس في معاشهم فإن كان معاشهم لا يتم إلا بها فهي جائزة من غير ريب دفعا للحرج الواجب دفعه عملا بنص القرآن".
والجواب عن هذا من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: إن المصارف وإن كانت مؤسسات تجارية حديثة فإن الأحكام فيها لا تختلف عن الأحكام في غيرها من المؤسسات التجارية وغير التجارية وسائر الأعمال التي يكون لها علاقة بالبيع والشراء فكلها يجب أن تخضع لأحكام الشريعة في جميع الأعمال، ومن ذلك تحريم الربا على وجه العموم فإنه يجب أن يعمل به في المصارف وغير المصارف على حد سواء؛ لأن الله -تعالى- حرم الربا في كتابه تحريما مطلقًا بتناول جميع أنواع الربا، وكذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد حرم الربا تحريما مطلقًا يتناول جميع أنواع الربا سوى ما أذن فيه من بيع العرايا ................................