الوجه الثالث: أن يقال: إن الذين يحاولون تعطيل الجهاز الربوي في البنوك لم تكن محاولتهم مبينة على الخوف من أن تكون أعمال أهل البنوك مشوبة بالربا وإنما هي مبنية على اليقين من وجود الربا في جميع البنوك سوى البنوك الإسلامية وهم في هذه المحاولة قد أحسنوا غاية الإحسان لأنهم فعلوا ما أمروا به من النهي عن المنكر والسعي في إزالته.
فصل
وأما قول الفتان: كيف ينظر فقهاء المسلمين إلى الظاهرة الاقتصادية للفائدة؟ ولماذا يعتبر القرض بفائدة محرما في نظرهم؟
فجوابه: أن يقال: ما سماه الفتان بالظاهرة الاقتصادية للفائدة فمعناه ما يتعامل به بعض الناس مع أهل البنوك من المعاملات الربوية، وذلك أنهم يدفعون إليهم أموالهم ويمنحونهم الانتفاع بها بنسبة معلومة في المائة في كل عام. وهذه النسبة هي التي يسمونها الفائدة وهي عين الربا وهي شبيهة بربا أهل الجاهلية. وقد تقدم بيان ذلك في أول الكلام على المقدمة الثالثة من مقدمات الفتان فليراجع.
وأما قوله: لماذا يعتبر القرض بفائدة محرمًا في نظرهم؟
فجوابه: أن يقال: إنما يعتبر القرض بفائدة محرما لأنه ربا والربا من الكبائر السبع الموبقات - أي المهلكات - وقد تقدم النص على ذلك في حديث أبي هريرة المتفق على صحته، وقد قال أبو بكر الجصاص في (أحكام القرآن): "الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض هذا كان المتعارف المشهور بينهم". وقال أيضا:"من الربا ما هو بيع ومنه ما ليس ببيع وهو ربا أهل الجاهلية وهو القرض المشروط فيه الأجل وزيادة مال على المستقرض" انتهى. وتعريفه للربا عند أهل الجاهلية مطابق لما يفعله أهل البنوك من الإقراض والاستقراض بما يسمونه الفائدة وهي عين الربا الذي كان يعمل به في الجاهلية.
والدليل على أن القرض بفائدة من الربا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء» رواه الإمام أحمد ومسلم والنسائي من حديث أبي سعيد الخدري وتقدم ذكره.