وقالوا كلهم يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند جمع المحشر، قال ويقوى هذا التأويل المجمع عليه أن في قراءة عبد الله بن مسعود {لَا يَقُومُونَ يوم القيامة إِلَّا كَمَا يَقُومُ}" هذا كلام ابن عطية وهو موافق لأقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين في معنى الآية الكريمة، ثم إن ابن عطية أبدى في ألفاظ الآية احتمالا مخالفا لما أجمع عليه المفسرون فقال ما نصه: "وأما ألفاظ الآية فكانت تحتمل تشبيه حال القائم بحرص وجشع إلى تجارة الربا بقيام المجنون؛ لأن الطمع والرغبة تستفزه حتى تضطرب أعضاؤه، وهذا كما تقول لمسرع في مشيه مخلط في هيئة حركاته إما من فزع أو غيره قد جُن هذا، لكن ما جاءت به قراءة ابن مسعود، وتظاهرت به أقوال المفسرين يضعف هذا التأويل". انتهى كلام ابن عطية. وبما صرح به من تضعيف هذا الاحتمال يظهر ما في كلام رشيد رضا من التعمية والتلبيس، وذلك أنه غير كلام ابن عطية وساقه بلفظ غير اللفظ الموجود في تفسير ابن عطية، وإنما فعل هذا لِتَتَّفِق عبارته مع ما نمَّقه من الكلام الذي خالف فيه أقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين في معنى الآية الكريمة، وحاصل كلامه يدور على القول في معنى الآية بالرأي واطراح الأقوال المأثورة عن السلف.
الوجه الثالث: أن يقال: إن رشيد رضا لم يؤد الأمانة في نقله كلام ابن عطية؛ لأنه غيَّر أسلوبه وساقه على سبيل الجزم بأن المراد تشبيه المرابي في الدنيا بالمتخبط المصروع وهذا مخالف لمقتضى كلام ابن عطية؛ لأن ابن عطية إنما ذكره احتمالا ولم يذكره على سبيل الجزم بأنه المراد، ثم إن رشيد رضا لم يذكر أن ابن عطية تعقب الاحتمال الذي أبداه في ألفاظ الآية بالتضعيف. وهذا من التعمية على من لا علم عندهم وإيهامهم أن ابن عطية قد اعتمد على الاحتمال الذي أبداه في ألفاظ الآية الكريمة ورضي به.
الوجه الرابع: أن يقال: إنه لا حقيقة لما ذكره رشيد رضا عن المرابين من خروج نفوسهم عن الاعتدال الذي عليه أكثر الناس وأن ذلك يظهر في حركاتهم، وأن حركاتهم خارجة عن النظام المألوف، وما ذكره أيضا من اضطراب نفوسهم وتغير أخلاقهم، فكل هذا لا وجود له في المرابين، والواقع شاهد بأنه ليس في أحوالهم وأبدانهم ما يتميزون به عن غيرهم من الناس، وشاهد بأن أبدانهم سالمة من كل ما وصفهم به رشيد رضا، ومن توقف في هذا فليدخل البنوك ولينظر إلى أهلها وإلى من يعاملهم بالمعاملات الربوية حتى يعلم يقينا أنه لا وجود لشيء مما وصفهم به رشيد رضا.