الفتان من التقول على ابن القيم حيث وضع كلامه على غير موضعه وحمله على ما يوافق قوله الباطل ورأيه الفاسد في تحليل الربا، وذلك في زعمه أن كلام ابن القيم قد تناول الضرورات والحاجات، ومراده بالضرورات والحاجات ما هو مفتون به من تجويز ربا النسيئة للضرورة وتجويز ربا الفضل للحاجة، لا يخفى على من له علم وبصيرة أن كلام ابن القيم بعيد غاية البعد عما حمله الفتان عليه.
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فإن الفتان ذكر عنه أنه قال في المصلحة:"إن كل ما لا يتم المعاش إلا به فتحريمه حرج وهو منتف شرعًا".
قال الفتان:"وهذا أيضا في موضوع الحاجات التي هي دون الضرورات".
والجواب عن هذا من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: ليس في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ما يتعلق به الفتان في تجويز ربا الفضل للحاجة؛ لأن كلامه لم يكن في مسائل الربا وإنما هو في تأجير الأرض التي تكون مشتملة على غراس وأرض تصلح للزرع وربما اشتملت مع ذلك على مساكن فيريد صاحبها أن يؤجرها لمن يسقيها ويزرعها أو يسكنها مع ذلك، قال: فهذا إذا كان فيها أرض وغراس مما اختلف الفقهاء فيه على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك لا يجوز بحال، والثاني: يجوز إذا كان الشجر قليلا وكان البياض الثلثين أو أكثر، والثالث: يجوز استئجار الأرض التي فيها شجر ودخول الشجر في الإجارة مطلقًا، وقد صحح الشيخ القول بالجواز ورد على من قال بالتحريم، وأطال الكلام في الرد عليهم وقال في إثنائه:"فكل ما لا يتم المعاش إلا به فتحريمه حرج وهو منتف شرعًا" ثم قال ومن استقرأ الشريعة في مواردها ومصادرها وجدها مبنية على قوله -تعالى-: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}، وقوله:{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، فكل ما احتاج الناس إليه في معاشهم ولم يكن سببه معصية - هي ترك واجب أو فعل محرم - لم يحرم عليهم؛ لأنهم في معنى المضطر الذي ليس بباغ ولا عاد. انتهى المقصود من كلامه ملخصا، وهو مبسوط في صفحة خمس وخمسين إلى صفحة ثمان وثمانين من المجلد التاسع والعشرين من مجموع الفتاوى، ومنه يعلم ما في كلام الفتان من التقول على شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- حيث وضع كلامه على غير موضعه وحمله على ما يوافق الباطل في تحليل الربا وذلك في زعمه أن كلام شيخ الإسلام في موضوع الحاجات التي هي دون الضرورات، ومراده بالحاجات تجويز ربا الفضل للحاجة ومراده بالضرورات تجويز ربا النسيئة للضرورة،