للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثاني: أن يقال: إن الشيخ الموفق ذكر في "باب الربا والصرف" من كتاب المغني أن الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع - ثم ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة - ثم قال: "وأجمعت الأمة على أن الربا محرم، قال: والربا على ضربين ربا الفضل وربا النسيئة وأجمع أهل العلم على تحريمهما". انتهى المقصود من كلامه، وفيه أبلغ رد على ما تعلق به الفتان من كلام الموفق في مسألة القرض التي تقدم ذكرها في الوجه الأول.

وأما ابن حزم فإن الفتان ذكر عنه أنه قال: "المفسدة إذا عارضتها مصلحة راجحة قدمت المصلحة وألغي اعتبار المفسدة".

قال الفتان: "ومن ذلك أيضا القاعدة الشرعية في مختلف المذاهب وهي أن المفسدة إذا عارضتها مصلحة أو حاجة راجحة أبيح المحرم".

والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن الله -تعالى- قد حرم الربا تحريمًا مطلقًا وشدد فيه وتوعد عليه بأشد الوعيد وأخبر أنه يمحقه، وآذن المرابين بالحرب منه ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد حرم الربا وشدد فيه ولعن آكله ومؤكله وشاهديه وكاتبه، ونص على أنه من السبع الموبقات - أي المهلكات - ولم يأت في القرآن ولا في السنة ما يدل على إباحة شيء منه لا لحاجة ولا ضرورة ولا مصلحة ولا غير ذلك سوى بيع العرايا بخرصها فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أذن فيها، وما سوى بيع العرايا فتحريمه على الإطلاق وليس فيه استثناء البتة، وليس لأحد قول مع الله -تعالى- ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا}.

الوجه الثاني: أن يقال: إن التعامل بالربا ليس من المسائل التي قد تعارضت فيها المصلحة والمفسدة كما قد توهم ذلك الفتان، وإنما هو فساد محض، والدليل على ذلك أن الله توعد عليه بأشد الوعيد وأخبر أنه يمحقه وآذن عليه بالحرب منه ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من التشديد فيه، فكل ذلك يدل على أن التعامل به فساد محض وليس فيه مصلحة البتة، ومن زعم أن فيه مصلحة فإنما هو في الحقيقة يستدرك على الله -تعالى- وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويشرع من الدين ما لم يأذن به الله، وما أعظم ذلك وأشد الخطر فيه.

الوجه الثالث: أن يقال: إن القاعدة التي ذكر الفقهاء فيها تعارض المصلحة .........

<<  <   >  >>