التوقيف، فليس لأحد أن يوجب شيئًا أو يحل شيئًا أو يحرم شيئا إلا بدليل من الكتاب أو السنة، ومن خالف في هذا فأوجب ما لم يوجبه الله ولا رسوله أو أحل شيئا لم يحله الله ولا رسوله أو حرم شيئا لم يحرمه الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقد افترى على الله الكذب وشرع من الدين ما لم يأذن به الله.
وإذا علم هذا فليعلم أيضا أن كلام الفتان قد اشتمل على عدة أمور محرمة، أحدها: إيجاب النظر إلى المعاملات المصرفية من خلال ما زعم أنه من مصالح العباد وحاجاتهم المشروعة، وهذا من الشرع في الدين بما لم يأذن به الله؛ لأن الله -تعالى- لم يوجب النظر إلى المعاملات المصرفية من خلال المصالح والحاجات ولم يوجب ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما أوجبه الفتان من عند نفسه وما تلقاه عن بعض المتلاعبين بالدين، وما كان بهذه المثابة فهو مطرح مردود على قائله.
الأمر الثاني: إباحة الربا في المصارف معتمدًا في ذلك على ما زعمه من النظر إليها من خلال المصالح والحاجات، وهذا أيضا من الشرع في الدين بما لم يأذن به الله ومن الرد لما جاء في الكتاب والسنة والإجماع من تحريم الربا تحريمًا مطلقا يشمل جميع أنواعه ولا يترك للنظر مجالا في إباحته من خلال المصالح والحاجات.
الأمر الثالث: التلبيس على الجهال بما زعمه من الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إباحته بيع السلم، وهذا من قلب الحقيقة؛ لأن محاولته لتحليل الربا في المصارف يعود في الحقيقة إلى رد النصوص الدالة على تحريم الربا تحريما مطلقًا ومعارضتها برأيه وما شرعه من النظر إلى المعاملات المصرفية من خلال المصالح والحاجات، وليس في هذا اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو صريح في مشاقته ومخالفة أمره.
الأمر الرابع: اتباع غير سبيل المؤمنين؛ لأن المؤمنين قد أجمعوا على تحريم الربا تحريمًا مطلقًا يشمل جميع أنواعه، وقد خالفهم الفتان فأباح الربا في المصارف معتمدًا على ما زعمه من النظر إليها من خلال الحاجات والمصالح، وقد توعد الله -تعالى- من اتبع غير سبيل المؤمنين بأشد الوعيد فقال -تعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
الأمر الخامس: مشابهة أهل الجاهلية في قولهم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} وذلك واضح في إباحته الربا في المصارف نظرًا إليها من خلال المصالح والحاجات وقياسه ذلك على .......