عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا". انتهى، وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه (إعلام الموقعين): "أخبر -سبحانه- أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكَّم الطاغوت وتحاكم إليه، والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم قد عدلوا عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته، وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين الفائزين من هذه الأمة - وهم الصحابة ومن تبعهم - ولا قصدوا قصدهم، بل خالفوهم في الطريق والقصد معًا". انتهى.
وقال ابن القيم أيضا في كتابه (طريق الهجرتين) في ذكر صفات المنافقين: "ومن صفاتهم أنك إذا دعوتهم عند المنازعة للتحاكم إلى القرآن والسنة أبوا ذلك وأعرضوا عنه ودعوك إلى التحاكم إلى طواغيتهم، ومن صفاتهم معارضة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعقول الرجال وآرائهم ثم تقديمها على ما جاء به - فهم معرضون عنه معارضون له زاعمون أن الهدى في آراء الرجال وعقولهم دون ما جاء به". انتهى.
الوجه الرابع: أن يقال: إنه لا يعرض عن حكم الله وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتحريم الربا على وجه العموم ويدعو إلى تحكيم الرأي في المعاملات المصرفية إلا من ليس في قلبه إيمان، والدليل على هذا قول الله -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» رواه نصر بن إبراهيم المقدسي في كتاب (الحجة) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، وقال النووي في كتاب (الأربعين) له: "حديث صحيح رويناه في كتاب (الحجة) بإسناد صحيح ... " ثم قال في الكلام عليه: "يعني أن الشخص يجب عليه أن يعرض عمله على الكتاب والسنة ويخالف هواه ويتبع ما جاء به - صلى الله عليه وسلم -، وهذا نظير قوله -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فليس لأحد مع الله - عز وجل- ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أمر ولا هوى". انتهى.
الوجه الخامس: أن يقال: إن الله -تعالى- قد وسع الرزق لعباده من الوجوه المباحة