الوجه الثاني: أن يقال: إن كلام الفتان في هذه الجملة مبنى على التمويه والتلبيس على الجهال وإيهامهم أن ما ذكره من كلام الفقهاء يؤيد قوله الباطل في تحليل ربا القرض في المعاملات المصرفية، وهذا خطأ وتضليل، إذ ليس في كلام الفقهاء ما يتعلق به فيما رآه من تحليل الربا، وإنما كلامهم في السلم وبيع الطعام وغيره من أنواع السلع بثمن مؤجل، فإنهم قالوا فيه إن البيع المعجل أكثر قيمة من المؤجل، وأما القرض الذي يجر منفعة فإنهم صرحوا بتحريمه وصرحوا أنه من الربا، وقد تقدم قريبًا قول الشيخ الموفق في (المغنى): "كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف"، قال ابن المنذر:"أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة على ذلك ربا". انتهى، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:"القرض إذا جر منفعة كان ربا". انتهى، وذكر ابن حجر الهيتمي أن أنواع الربا حرام بالإجماع وذكر منها ربا القرض وقد تقدم كلامه في ذلك في أثناء الكتاب فليراجع (١)، وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابه (المهذب): "ولا يجوز قرض جر منفعة مثل أن يقرضه ألفًا على أن يبيعه داره أو على أن يرد عليه أجود منه أو أكثر منه، ويروي عن أُبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس -رضي الله عنهم- أنهم نهوا عن قرض جر منفعة، ولأنه عقد إرفاق فإذا شرط فيه منفعة خرج عن موضوعه". انتهى.
وقال النووي في (الروضة): "يحرم كل قرض جر منفعة، فإن شرط زيادة في القدر حرم إن كان المال ربويًا، وكذا إن كان غير ربوي على الصحيح". انتهى.
وقال السرخسي في (المبسوط): "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قرض جر منفعة وسماه ربا". انتهى. وقال الدردير في (الشرح الكبير): "وحرم في القرض جر منفعة، قال الدسوقي في الحاشية: ولو كانت تلك المنفعة قليلة". انتهى.
وكلام الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة بنحو هذا كثير جدًا، وفيما ذكرته ههنا كفاية في الرد على تمويه الفتان وإيهامه أن ما ذكره من كلام الفقهاء يؤيد رأيه الفاسد في تحليل ربا القرض في المعاملات المصرفية، وبالجملة فأي شبهة تعلق بها الفتان من كلام الفقهاء فالإجماع على تحريم ربا القرض يردها ويبطلها.