الفضل وربا النسيئة. وما جاء فيها أيضا من الوعيد بالنار لمن عاد إلى استحلال الربا فهو عام لربا الفضل وربا النسيئة. وما جاء في الآية الثانية من النص على محق الربا فهو عام لربا الفضل وربا النسيئة. وما جاء في الآية الرابعة من الأمر بترك الربا فهو عام لربا الفضل وربا النسيئة، وما جاء في الآية الخامسة من الإيذان بالحرب من الله ورسوله لمن لم يترك الربا فهو عام لربا الفضل وربا النسيئة، وما جاء فيها أيضا من أن المرابين ليس لهم إلا رؤوس أموالهم وليس لهم أن يأخذوا زيادة عليها فهو عام لربا الفضل وربا النسيئة.
فإن قيل: إن بعض المفسرين ذكروا في الكلام على قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} أنها نزلت في ربا أهل الجاهلية وهو النسيئة وذكروا مثل ذلك في الكلام على قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}.
فالجواب: أن يقال: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند الأصوليين. فاللفظ في كل من الآيتين عام كما هو عام في الآيتين الأوليين من سورة البقرة. والعموم في الآيات الأربع بتناول ربا أهل الجاهلية وربا أهل الإسلام على حد سواء، وقد جاءت النصوص الصحيحة الصريحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريم ربا الفضل وربا النسيئة على حد سواء. وقد تقدم بيان ذلك في الروايات عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- وما ذكر بعدها من الأحاديث. وفي بعضها النص على أن من زاد أو استزاد فقد أربى، والنص أيضا على أن الآخذ والمعطي فيه سواء، وفي رواية في الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن بلالا لما باع صاعين من التمر الرديء بصاع من التمر الطيب قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك:«أَوَّه أوه عين الربا عين الربا لا تفعل» وفي رواية: «أوه عين الربا لا تقربه» وفي رواية: «هذا الربا فردوه» والروايات بنحو هذا كثيرة، وهي مذكورة فيما تقدم. وقد قال الله -تعالى-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}، وقال -تعالى-: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ}، وقال -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ففي الآيتين من سورة النحل دليل على أن ما جاء في السنة من النهي عن ربا الفضل وربا النسيئة فهو من البيان لما جاء مجملا في القرآن. وفي الآيتين من سورة النجم دليل على أن ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن ربا الفضل وربا النسيئة فهو مما أنزل عليه بالوحي.