[الرسالة الأخيرة]
كانت الرسائل التي أرسلها الله عز وجل للبشر تُخاطب قومًا من الأقوام في فترة زمنية محددة، حيث كان التقدم الحضاري والاتصال بين الأمم محدودًا، وبعد الرسالة التي أرسلها الله سبحانه وتعالى مع عيسى ابن مريم لبني إسرائيل ازداد انحراف الناس أكثر وأكثر، واحتاجت البشرية إلى رسالة تُخرجها من الظلمات إلى النور فكان القرآن .. ذلك الكتاب الذي أرسله الله عز وجل للبشرية جمعاء في كل زمان ومكان حيث يتلاءم مع ما يحدث في الأرض من تقدم علمي وحضاري غير مسبوق.
فالهدف الأساسي من نزول القرآن: هداية الناس إلى الله وإلى طريقه المستقيم، والعيش على الأرض بأمان، والعودة إلى الجنة بسلام.
قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: ١٨٥].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: ١٧٤، ١٧٥].
رسالة منطلقها الرحمة الإلهية بالناس لانقاذهم من النار وإخراجهم من الظلمات {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: ١].
[أعظم رسالة]
لأن القرآن هو رسالة الله الأخيرة للبشرية، فقد أرسله سبحانه وتعالى مع خير رسله، وتولى بنفسه حفظه من التبديل والتحريف ليستمر في أداء دوره حتى قيام الساعة.
قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر: ٩].
أنزله سبحانه وتعالى بلغة عربية عذبة، سلسة، بحيث يستطيع أي إنسان أن يفهم الحقائق الأساسية لتلك الرسالة مهما كان حظه من الثقافة، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: ٢].
ولقد جعلها الله عز وجل رسالة موجزة ليسهل حملها وحفظها وقراءتها.
وكونها رسالة موجزة فلابد من قراءتها بتأن وتؤدة حتى يتمكن السامع والقارئ من فهم المقصود منها {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: ١٠٦].
ولأنها لا تُخاطب العقل فقط، بل الوجدان أيضًا، كان الأمر بترتيلها والتغني بها لتكون اكثر تعمقًا في النفس، قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: ٤].
يسرها الله للقراءة، فلا تحتاج إلى أماكن محددة أو أزمنة خاصة لتُقرأ فيها، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر: ١٧].
ولكي يتم دوام الاستفادة منها كان من الضروري أن يداوم المسلم على قراءتها يوميًّا، فكان التحفيز وشحذ الهمم لذلك برصد الجوائز لكل من يقرأ فيها حرفًا فيكون ذلك دافعًا لقراءتها، ومن ثَمَّ حدوث المقصود من نزولها.
ولقد جعل سبحانه وتعالى مواضيعها الأساسية مكررة في كثير من السور بأساليب مختلفة لتتم بها التذكرة في أي موضع يلتقي فيه المسلم مع القرآن، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} [الفرقان: ٥٠].
ولأن المعنى هو المقصود من القراءة كان الأمر بالإنصات لها، وتدبرها، وإعمال العقل في فهم المقصود من خطابها، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: ٢٩].