للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن بناء اليقين الصحيح عند أبنائنا لمن أهم صور التربية الصالحة لهم، وسيعود نفعه - بمشيئة الله - عليهم وعلى أسرهم وأمتهم، والقرآن كفيل بذلك إذا ما أعطينا معانيه جل اهتمامنا، وربطنا بينه وبين الواقع، وجعلنا تشجيعنا لأولادنا مرتبطا بمدى تعلمهم المعاني الإيمانية من القرآن وتطبيقها على أنفسهم، وليس معنى هذا أن نزهد في أن يكون أبناؤنا من حفظة القرآن، ولكن المقصد هو أن نأتي أمر القرآن معهم من أوله، فنعلمهم الإيمان قبل الحفظ، فمن استطاع أن يُحفظ ابنه القرآن بهذه الطريقة فقد قدم لنفسه ولأمته خدمة عظيمة، ورفع للإسلام راية في زمن قلَّت فيه راياته.

[ماذا يقول الطرطوشي]

يقول أبو بكر الطرطوشي في كتابه «الحوادث والبدع»:

ومما ابتدعه الناس في القرآن الاقتصار على حفظ حروفه دون التفقه فيه، ويقول: سئل الإمام مالك عن صبي ابن سبع سنين جمع القرآن فقال: «ما أرى هذا ينبغي» وإنما وجه إنكاره ما تقرر في الصحابة رضي الله عنهم من التسرع في حفظ القرآن دون التفقه فيه.

وقد قال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: ٧٨].

كانوا يحفظون التوراة ولا يعلمون ما استودع الله تعالى فيها من الحكم والعبر، فوصفهم الله تعالى بأنه ليس عندهم من ذلك إلا الأماني، والأماني معناها: التلاوة.

وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥].

فشبَّه تالي القرآن من غير أن يفهمه كمثل الحمار يحمل أسفارا .. فدخل في عموم هذا من يحفظ القرآن من أهل ملتنا ثم لا يفهمه ولا يعمل به (١).

وأيضا قد قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: ٦٨]، أ. هـ (٢).

[رأي البنا]

وللإمام حسن البنا رأي مهم في مسألة تحفيظ القرآن للصغار، يقول رحمه الله:

تقرر في أذهان الناس: أن تحفيظ القرآن جزء من منهج التعليم لأول أدواره، إذ أن هذه السن هي وقت قوة الحافظة والذاكرة، ولا يتيسر حفظه فيما بعد ذلك، وصار هذا عرفا يجد الناس في مخالفته كثيرا من الحرج، ويُخيل إليهم أن ذلك ضياع لكتاب الله، وترى من جانب آخر اشتغال الطلبة بحفظ القرآن كله في هذا السن يُفوِّت عليهم كثيرا من استخدام مواهبهم العقلية، ويُعطِّل كثيرا من قواهم النفسانية، ويُرسم القرآن في عقولهم وقلوبهم ألفاظا لا معنى لها، ويعودهم القرآءة بدون تفكير ولا تدبر في مستقبل حياتهم، فهذه الطريقة إن خرَّجتهم أوعية القرآن فقد حرمتهم لذة تدبره وثمرة التفكير في معانيه ومقاصده.

والمشكل قديم، وقد عالجه أبو بكر بن العربي، وأشار إليه وأبان أن التحفيظ ابتداءً طريقة المشارقة، ونقد هذه الطريقة نقدا مُرًّا، وزكّى طريقة المغاربة والأندلسيين في البدء بتعليم اللغة، وتذوق الأدب، ثم يأتي دور دراسة القرآن بعد ذلك.


(١) أي أن الله نعت اليهود بذلك الوصف لأنهم لم يعملوا بما في التوراة ولم يفهموها، وذلك الوصف ينطبق على من يتعامل مع القرآن بنفس طريقتهم.
(٢) الحوادث والبدع ص٢٠٦ - ٢١٤ باختصار.

<<  <   >  >>