للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يكن آدم وزوجته يظنان أن هناك من يُقسم بالله كاذبًا، فأكلا من الشجرة لتنكشف لهما عوراتهما وينتصر عليهما اللعين .. حينئذ شعر آدم وزوجته بعِظم الجُرم الذي ارتكباه {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: ٢٢ - ٢٣].

ندم آدم وزوجه ندمًا شديدًا، وتابا توبة صادقة إلى الله، فقبِل سبحانه توبتهما {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: ٣٧].

ولكن لابد من اختبار آخر كي يعودا إلى دارهما - الجنة - مرة أخرى، فكانت الأرض هي مكان الاختبار الجديد ليهبطا عليها وتبدأ منها رحلة العودة، ويهبط معهما إبليس ليستمر في عمله الذي طلب من أجله المهلة: {قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٢٤) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف: ٢٤، ٢٥].

هبطوا جميعًا إلى الأرض ليبدأ الصراع بين الحق والباطل، قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٣٨، ٣٩].

[المشهد العظيم]

قَّدر الله سبحانه وتعالى لآدم عددًا محدودًا من الذرية يهبطون تباعًا إلى الأرض ليؤدوا الاختبار - اختبار العودة إلى الجنة - وقبل هبوطهم أخذ عليهم جميعًا العهد والميثاق على عبادته سبحانه وتعالى، ولقد وافق الجميع على ذلك وشهدوا بأنفهسهم على هذا العهد {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: ١٧٢، ١٧٣].

أخبر سبحانه وتعالى الجميع بأنهم سيعودون إليه مرة أخرى ليسألهم عن العهد والميثاق والمهمة، التي أنزلهم إلى الأرض من أجلها {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: ٢٩].

ولقد جعل الله عز وجل هذا العهد الذي وافق عليه الجميع مركوزًا في داخلهم: فطرة تميل بهم إلى الحق، وإلى عبادته سبحانه وتعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: ٣٠].

بدأت ذرية آدم في الخروج إلى الأرض مجموعة بعد مجموعة لأداء الاختبار، وعندما تنتهي الواحدة وتنقضي مدة اختبارها ووجودها على الأرض تُنزع أرواحها وتذهب إلى القبور التي تُعد بمثابة ساحات انتظار حتى ينتهي الجميع من أداء الامتحان.

<<  <   >  >>