هذا العمل الصالح الذي تقوم به الجوارح سيواجه عقبة كبيرة تعمل على منع وصول أثره إلى القلب، هذه العقبة هي الشيئ الذي وضعه الله داخلنا ليمتحننا به ..
إنها النفس التي جُبلت على حب الراحة والشهوات والتي لا تفكر إلا في لذته الآنية، ولا تنظر إلى عواقب أفعالها ولو كانت بعد لحظات، كالطفل الذي لا يفكر إلا فيما يريد وإن كان سيتسبب في هلكته.
[أنواع الشهوات]
والشهوات التي تسعى النفس دائما للحصول عليها إما أن تكون مادية مثل ما هو مذكور في قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: ١٤].
ومنها ما هو معنوي كحب الرفعة عمن حولها وتميزها على أقرانها، وأن تُحمد على أفعالها وترتفع منزلتها في عيون الآخرين.
فالنفس تُريد في كل لحظة من اللحظات استيفاء شهوة من شهواتها في حين أنها تنفر من كل تكليف يُتعبها أو عمل لا تخرج منه بشيء من حظوظها.
من هنا كان استثقالها للقيام بأي طاعة، فإذا ما دخل الإيمان القلب وارتفع مستواه فيه، وبدأ في صراعه مع هوى النفس واستطاع أن ينتصر عليه .. فإن إرادة القلب ستكون طوع أمره وستأمر الجوارح بنتفيذ ما يُريد من أعمال صالحة.
ولكن هل ستضع النفس سلاحها وتستسلم لقرار القلب وتنتظر معركة أخرى مع الإيمان أم سيكون لها توجه آخر؟!
عندما تنهزم النفس وهواها أمام داعي الإيمان، وتتأكد أنه لا حيلة لها إلا الاستسلام فإنها لا تترك هذا الأمر هكذا يتم رغما عنها، بل يتحول اهتمامها إلى كيفية الاستفادة من هذا العمل لخدمة حظوظها.
ومن صور ذلك: إلحاحها على صاحبها ودعوته لإظهار عمله أمام الناس ليعظم قدره في أعينهم فيمدحوه، ويوقروه، ويعظموه ... وهذا من أحب الأمور لدى النفس، بل يُعدّ من أحلى الأشربة لديها.
فإن لم يكن هناك فرصة لإظهار العمل أمام الناس كان هناك طريق آخر أمام النفس يخدم حظوظها، ألا وهو سعيها بأن تجعل العمل كبيرا في عين صاحبها فتلح عليه كي يحمدها على قيامها به فيؤدي ذلك إلى إعجابه بعمله، بل قد يصل به الأمر أن يظن أن له قدرا عند الله بهذا العمل، وأنه أفضل من غيره، وشيئا فشيئا تعظم في عينه فيغتر بها ويتكبر على الآخرين.
ذلك كله يؤدي إلى إحباط العمل وعدم وصول أثره إلى القلب، بل يزيده بعدا من الله عز وجل ومقتا، لأنه قد وقع في الشرك الخفي والذي يعد من اخطر أنواع الشرك.
فالذي يعمل العمل وهو يريد به وجه الله وفي نفس الوقت يريد أن ترتفع منزلته عند الناس فقد أشرك بالله الناس.
والذي يعمل ويرى أن نفسه هي التي أعانته عليه فقد أشرك بالله نفسه.
[الشرك الخفي]
قال بن تيمية: «الرياء شرك بالناس، والعجب شرك بالنفس».
فكلا الأمرين ضد الإخلاص، فيُحرم القلب بذلك ثمرة العمل، بل إن ثمرته تخدم جانب الهوى أكثر، وتُقوِّي داعيه في القلب، وهو ما يسميه العلماء بالشهوة الخفية، والتي قد تكون هي الدافع للعمل الذي يبدو أمام الناس أنه عمل صالح.
فأمر النفس إذن خطير، جد خطير، ولابد أن يشتد حذرنا منها وانتباهنا إليها حتى لا تضيع علينا ثمرة أعمالنا.
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٦٤].