[كيفية التغيير القرآني]
الوسائل التي يستخدمها القرأن في تغيير الفرد، وإحداث انقلاب جذري وشامل في كيانه تصُب في محاور ثلاثة: العقل والقلب والنفس، وبقدر استخدام تلك الوسائل يكون التغيير، وفي ذلك تفصيل ... .
المحور الأول
القرآن والعقل
قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: ٧٨].
فالجنين يخرج من رحم أمه إلى الدنيا وهو لا يعلم شيئا، ويبدأ تدريجيا في التعرف على العالم من حوله من خلال بيئته الصغيرة المحيطة به، ففيها يكتسب معارفه الأوليه، وبمرور الأيام والسنين ومع اتساع دائرة حركته، وتنوع وسائل المعرفة التي يستقي منها معلوماته، وتتكون لديه مجموعة من الثوابت والتصورات عن نفسه وعن كل ما يُحيط به ويتعامل معه، مثل نظرته للمال، الدراسة، الزواج، الصداقة، القوة، الموت، عالم الغيب ...
ومما لا شك فيه أن هذه التصورات تختلف من شخص لآخر باختلاف المشارب والبيئات والمنابع التي يستقي منها الفرد معلوماته، وعلى أساسها يتكون فكر الإنسان وثوابته الخاصة ..
هذا الفكر وهذه الثوابت تُشكل المنطلق الأساسي للسلوك الخارجي، فالإنسان - أي إنسان - يتحرك من خلال قناعاته الشخصية، وإذا ما أردت تغيير سلوك شخص ما فعليك أولا أن تبدأ بتغيير قناعاته تجاه ما تُريد، أما إذا حاولت أن تقفز مباشرة إلى السلوك لتغيره دون أن تبدأ بالفكر، فلن تصل إلى النتيجة التي ترجوها، وإن أبدى أمامك استجابة سريعة لأوامرك - وبخاصة إذا ما كان لك عليه سلطان - فإن هذه الاستجابة تكون وقتية لا تستمر طويلا.
لابد إذن من مخاطبة العقل وتغيير الفكر والمعتقد أولا إذا ما أردنا تغيير السلوك.
[تجارب عملية]
لبيان مدى تأثير القناعات والمعتقدات على سلوك الإنسان يقول د. مالك البدري:
إن تأثير العوامل النفسية على الناحية الجسمية العضوية أمر بدهي يلاحظه الفرد في حياته اليومية، فهو يضطرب وتزداد ضربات قلبه عند تلقيه أخبارا مفزعة أو مؤلمة، كما يحمر وجهه خجلا وحياء إن كان من أصحاب البشرة البيضاء.
ومن أهم الظواهر أيضا تحسُّن الحالة الصحية الجسمية لكثير من المرضى عند تناولهم لحبوب وكبسولات لا تحتوي على أي مادة فعَّالة لكنهم يعتقدون أنها عقاقير مفيدة. فقد لا تحتوي الكبسولات إلا على قليل من السكر لكن الطبيب يؤكد للمرضى أنها ذات فائدة مضمونة.
وفي بعض الحالات يقوم الطبيب بحقن المرضى بمحلول الماء والملح بعد إيهامهم بأن هذه الحقن تحتوي على دواء ممتاز. وقد أثبتت الدراسات المتكررة بأن هؤلاء المرضى تتحسن حالتهم بدرجة واضحة تكاد في بعض الأحيان تصل إلى مستوى أولئك الذين تلقوا عقاقير حقيقية.
ولقد ظهرت مئات المؤلفات التي تدعو لتحسين صحة الإنسان الجسمية بتغيير أفكاره ومشاعره وانفعالاته .. ذلك لأن الذي يُشكل فكر الإنسان ونشاطه المعرفي ليس هو الأحداث والمثيرات التي يتعرض لها في بيئته بشكل مباشر، بل الذي يؤثر بالفعل هو تقييمه وتصوراته لهذه الأحداث والمثيرات (١).
من هنا يتبين لنا أن الخطوة الأولى والأساسية لتغيير سلوك الإنسان هي تغيير فكره، وليس المقصد من تغيير الفكر تلك القناعة العابرة التي يُبديها العقل نتيجة قراءة أو مناقشة، فهذا من شأنه أن يُحدث تغييرا وقتيا ينتهي مفعوله بغياب الفكرة من العقل، ولكن إذا ما أردنا تغييرا مستمرا فهذا أمر آخر يتطلب الحديث عن الشعور واللا شعور.
(١) التفكر من المشاهدة للشهود، د. مالك بدري ص (٥١).