[فكيف له ذلك؟]
لم يشأ سبحانه وتعالى أن يترك الإنسان بدون دليل يدله على الصراط، ويهديه إليه .. فكان القرآن.
قال تعالى: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف: ٣٠].
وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩].
ولقد بيَّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه النواس بن سمعان، قال: " ضرب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا ولا تتعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: ويحك، لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعى على رأس الصراط كتاب الله، والداعى من فوق واعظ الله فى قلب كل مسلم» (١).
[كيفية الهداية القرآنية]
هداية القرآن للإنسان تتم من خلال كشفه وإنارته لكل الجوانب التي تتعلق بحركة الإنسان الخارجية، وكذلك كل ما يوجد بداخله من جوانب غامضة، وأسئلة حائرة، وتصورات خاطئة. فالقرآن يكشف هذه الجوانب، ويوجهها الوجهة الصحيحة، وهو ما يعبر عنه " بسُبل السلام "، فهدفه الأساسي الوصول بمن يتبعه إلى بر الأمان في كل ما يتعلق به من أمور الدنيا قبل الآخرة.
يقول تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: ١٥، ١٦].
فمن خلال القرآن يحدث الانسجام بين المرء وفطرته المجبولة على عبادة الله عز وجل، وبه يحدث السلام بينه وبين نفسه، وبينه وبين من حوله من أفراد، وكذلك مع الكون المحيط به، ومع كل ما في يديه من أدوات مثل الأولاد والمال.
هذا على سبيل الإجمال.
أما على سبيل التفصيل: فعندما يوجد الإنسان في الدنيا، ويبدأ عقله في النمو والتمييز والإدراك، ويصل إلى سن البلوغ، فمن الطبيعي أن تتوارد على عقله تساؤلات كثيرة تتردد داخله من مثل هذا النوع وغيرها:
١ - من الذي خلقني وخلق الناس جميعًا؟ ما اسمه، وكيف أتعرف عليه، وما الدليل الذي يؤكد على أنه الخالق، فهناك الكثير من الآلهة المزعومة؟! [من هو الله؟].
ولماذا خلقني هذا الإله، وميزني عن سائر ما أجد من مخلوقات؟ ما المطلوب مني؟! [واجبات العبودية].
٢ - اسمع عن شخص اسمه محمد صلى الله عليه وسلم، قد أرسله الله عز وجل إلى البشر، معه رسالة منه - سبحانه - فمن هو هذا الرسول، وما دوره، وما طبيعة رسالته التي يحملها؟
٣ - أرى الناس تتسابق على جمع المال، وعلى التمتع بما في الدنيا من زينة، ومع ذلك أراهم يموتون دون أن يأخذوا من دنياهم شيئًا، فلماذا إذا يتكالبون عليها؟
وأرى كذلك أُناسًا قد حُرموا الغنى، وآخرين حُرموا الصحة، وآخرين حُرموا الأولاد ..
فلماذا لا يكون الجميع سواسية؟ ... وماذا بعد الموت؟ [قصة الوجود].
(١) حديث صحيح: أخرجه أحمد (٤/ ١٨٢، رقم ١٧٦٧١)، والحاكم (١/ ١٤٤، رقم ٢٤٥)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (٣٨٨٧).