والقرآن يدخل إلى أعماق النفس - أي نفس - حتى آخر نقطة فيها، فيواجهها، ويوجهها، وكأنه قد نزل من أجلها دون غيرها.
ولا يكتفي القرآن بذلك، بل يعرض نماذج للمؤمنين الذين زكُّوا أنفسهم وجاهدوها، ليتأسى بهم القارئ، ويعرض كذلك صورا لأناس تركوا الزمام لأنفسهم وساروا وراء أهوائهم حتى هلكوا.
قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (١٢) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (١٤) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَ} [الشمس: ٧ - ١٥].
[القلب]
وفي القرآن تعريف بقلب الإنسان، وأنه الملك على سائر الأعضاء، وأن حياته الحقيقية إنما تكون بالله عز وجل .. هذا القلب يمرض، ومرضه إنما يكون بسيطرة الهوى عليه.
والقرآن يُبين لقارئه صور الهوى التي تُمرض القلب، ويُبين له كذلك كيفية شفائه منها، ويُعدد له وسائل زيادة الإيمان، لتستقيم حياته، وتقوى إرادته.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: ٥٧].
ولا يكتفي القرآن بذلك، بل يعرض نماذج للصالحين أصحاب القلوب الحية لنتأسى بهم، كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: ٢ - ٤].
ويعرض كذلك صورا لأصحاب القلوب المريضة القاسية لنتجنب مسببات تلك القسوة.
قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: ١٦].
الجانب الرابع
التعريف بالشيطان
بعد أن رفض إبليس السجود لآدم عليه السلام طرده الله من رحمته وحكم عليه بالحبس الأبدي في النار، فطلب إبليس مهلة قبل تنفيذ العقوبة .. هذه المهلة هي فترة وجود آدم وذريته على الأرض.
{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [ص: ٧٩ - ٨١].
هبط إبليس إلى الأرض ليبدأ في العمل على إضلال البشر وسوقهم معه إلى النار، مستهدفا كل فرد يخرج إلى الدنيا.
{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٦٢].
[اعرف عدوك]
فإبليس إذن هو عدونا الذي أخرج أبوينا من الجنة، ويعمل على حرماننا من العودة إليها، بل على مرافقته في النار .. أما الشياطين فهم ذريته وأعوانه: يأتمرون بأوامره، وينفذون مخططاته، وما من يوم تشرق شمسه إلا ولهذا العدو فخ جديد ينصبه، ومحاولة للصد عن سبيل الله يحاولها.