للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انطلاقا من حسن الظن بالله - سبحانه وتعالى - نوقن بأننا إذا ما أحسنا البداية وأخذنا بالوسائل العملية المشار إليها فسنجد ثمارا سريعة، وتحسنا ملحوظا في علاقتنا بالقرآن، ومع ذلك فهناك معينات من شانها أن تهيئ القلب أكثر وأكثر لاستقبال القرآن وسرعة الانتفاع به، وخروجه من دائرة التدبر العقلي إلى الانفعال الوجداني والتحرك القلبي ليقوم القرآن بأهم دور له، فيصبح القوة الدافعة والمحركة لفعل كل ما يرضي مولانا، وترك ما يبغضه.

[أولا: كثرة ذكر الموت:]

لكي يحدث القرآن في القلب أثره المطلوب، لابد من تهيئة القلب لاستقباله بزيادة مستوى الخوف من الله فيه، هكذا أخبرنا الله وتعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى: ١٠]، وقال تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: ٤٥].

وقال صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» (١).

ويعلق المناوي في فيض القدير على هذا الحديث فيقول:

فكل من خاف الردى أو فوت ما يتمنى لا يركن إلى الراحة ولا ينتظر الصباح، بل يبادر إلى الحركة والسفر ولو كان بالليل، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الخوف من الله هو المقتضي للسير إليه بالعمل الصالح والمشار إليه بالإدلاج .. (٢).

من هنا يتضح لنا أن القلب الخائف الوجل من الله عز وجل هو المؤهل للانتفاع بالقرآن، فالخوف بصفة عامة يجعل الإنسان مرهف الحس تجاه كل ما من شأنه تخفيف مسببات خوفه، فيستقبل أي موعظة او نصيحة استقبال الباحث عن طوق النجاة، فيتعلق بها، ولا يتركها إلا إذا استفاد منها استفادة كاملة .. أما الآمن فهو على عكس ذلك لأنه لا يستشعر بأن هناك خطرا قريبا منه.

قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النازعات: ٢٦].

ووسائل زيادة الخوف من الله كثيرة، أهمها ذكر الموت والتوقع الدائم لقدومه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أكثروا ذكر هاذم اللذات، الموت، فإنه ما ذُكِر في ضيق العيش إلا وسعه عليه، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه» (٣).

ولقد اشتكت امرأة إلى عائشة - رضي الله عنها - قسوة قلبها فقالت: أكثري ذكر الموت يرق قلبك، ففعلت فرقّ قلبها.

ومن الوسائل المعينة للتذكر الدائم للموت: زيارة المقابر، وتغسيل الموتى واتباع الجنائز، وكتابة الوصية، ودوام مطالعتها.

ومنها أيضا: شراء الكفن ومشاهدته كل فترة، والجلوس مع الأهل لترتيب أمورهم فيما بعد الموت.

وكذلك زيارة المستشفيات ومشاهدة المرضى وأصحاب العاهات.


(١) صحيح، أورده الألباني في الجامع الصغير ح (٦٢٢٢) والسلسة الصحيحة ح (٢٣٣٥).
(٢) فيض القدير (٦/ ١٥٩).
(٣) صحيح، أورده الألباني في الجامع الصغير ح (٦٢٢٢) والسلسة الصحيحة ح (٢٣٣٥).

<<  <   >  >>