للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن في بعض الأوقات قد نبدأ القراءة فنجد أنفسنا وقد غلبها النعاس، وأصبحنا لا ندري ما نقول، فماذا نفعل إذا ما فشلنا في جمع الذهن مع القراءة بعد العديد من المحاولات؟

علينا عندئذ التوقف بنية العودة إليها في وقت آخر.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول فليضطجع» (١).

وليكن مقياس استمرارنا في القراءة قول الحسن بن علي رضي الله عنهما: «اقرأ القرآن ما نهاك فإذا لم ينهك فلست تقرأه» (٢).

[رابعا: أن نجعل المعنى هو المقصود:]

البعض منا عندما يشرع في تدبر القرآن تجده يقف متمعنا عند كل لفظ فيه مما يجعل التدبر عملية شاقة عليه وما يلبث إلا أن يمل فيعود أدراجه إلى الطريقة القديمة في القراءة دون فهم ولا تدبر.

فكيف لنا إذن أن نقرأ القرآن بتدبر وسلاسة في نفس الوقت؟

الطريقة السهلة لتحقيق هذين الأمرين معا هو أن نأخذ المعنى الإجمالي للآية، وإذا وجدنا بعض الألفاظ التي لا نعرف معناها، فعلينا أن نتعرف على المعنى من السياق، كمن يقرأ مقالا باللغة الإنجليزية مثلا ولا يعرف معاني بعض الكلمات، فإنه يفهم المعنى الإجمالي من السياق، وهذا ما أرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، بل يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم فردوه إلى عالمه» (٣).

وبهذه الطريقة تصبح قراءة القرآن سهلة وميسرة للجميع.

فعلى سبيل المثال إذا ما قرأنا قوله تعالى: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: ٤٠]. ولا ندري معنى حسبانا ولا زلقا لكننا نفهم من السياق أن عقابا ومصيبة قد تحدث لهذا البستان.

وعندما نقرأ قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: ٣١]، ولا ندري معنى أبًّا، فالسياق يدلنا على أنه نوع من المأكولات.

نعم إن معرفة معاني الكلمات الغريبة تساعدنا على زيادة الفهم، ولكن علينا ألا نجعل عدم معرفتها عائقا يحول بيننا وبين الاسترسال في القراءة، والتركيز معها والتأثر بها.

وليس معنى هذا عدم النظر في كتب التفسير ومعاني الكلمات، فمما لا شك فيه أن للتفسير دورا كبيرا في حسن الفهم، وله أيضا دور أساسي في معرفة الأحكام الشرعية، والتي لا ينبغي علينا أن نستنبطها بمفردنا من القرآن، فتاريخ الأمة الإسلامية يشهد بانحراف الكثير ممن استنبط تلك الأحكام بمفرده من القرآن دون أن يكون مؤهلا لذلك، مثل الخوارج وغيرهم.

ومع هذا الدور العظيم للتفسير إلا أنه ينبغي أن يكون له وقته الخاص به، وغير مرتبط بوقت القراءة، فنحن لا نريد أن نخرج من لقائنا بالقرآن بزيادة الفهم فقط، ولكن نريد القلب الحي كذلك، وهذا يحتاج إلى اللقاء المباشر مع القرآن، والسماح بقوة تأثيره أن تنساب داخلنا وتتصاعد من خلال الاستمرار في القراءة، والاسترسال مع الآيات والتجاوب معها.

حسن الابتداء والوقف:

من الأمور المعينة كذلك على فهم المعنى الإجمالي للآيات: حُسن الابتداء والوقف.

يقول النووي رحمه الله: ويستحب للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض، وكذلك إذا وقف عند المرتبط وعند انتهاء الكلام، ولا يتقيد في الابتداء ولا في الوقف بالأجزاء والأحزاب والأعشار، فإن كان كثيرا منها في وسط الكلام المرتبط (٤).


(١) رواه مسلم.
(٢) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن، ص ٦٣.
(٣) حسن، رواه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه.
(٤) الأذكار للنووي ص ١٦٣.

<<  <   >  >>